جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمرأه من سلاله الشياطين الجزء الثامن والعشرون الجمعة 23 يوليو 2010, 10:22 am | |
|
امرأة من سلالة الشياطين الفصل الثامن والعشرون
على امتداد الطريق إلى الحانة، راودني الإحساس بأنني تصرفت على نحو ما تتصرف به النساء لا الرجال؛ فما قمتُ به يشبه تماما ما يقوم به نوع من النساء للانتقام من الأزواج؛ تتظاهر إحداهن بطاعة الزوج والتصالح معه والصفح عنه، بعد طول لجاجات وخصومات تقودها إلى الرحيل إلى بيت أبويها غاضبة، ثم تتحين فرصة غياب الزوج من المنزل في سفر أو غيره، فتسوق شاحنة وتفرغ فيها كل ما في المنزل من آثاث وأفرشة، وتسوقها إلى بيت أبويها أو أحد أقاربها لترغم الزوج على الدخول في مفاوضات سوريالية ما لم تقطع الحبل السري لعلاقتهما قطعا أبديا، فترغم الزوج على انتظار أعوام أخرى كي ينبت ريشه ويكبر جناحاه ليتمكن من التحليق في سماء امرأة جديدة. وقد تفرجتُ على هذا النوع من المسرحيات، في طفولتي المبكرة، أيام ارتبط أبي سريا بعشيقة له وأوشك على الزواج بها. تحينتْ أمي غياب أبي لعقد صفقة تجارية، فساقت شاحنة وأفرغت كل ما في البيت، ولم يكفها ذلك، فساقت عاملين بنائين لاقتلاع الصندوق الحديدي الذي كان يخفي فيه والدي ما راكمه من أموال طائلة في تجارة العقار والغلات الفلاحية، وهو يقدر بمئات الملايين، إذ شاهدتُ بأم عيني أبي ذات يوم وهو يمسك بمقبضين حديديين عن يمين الصندوق وعن يساره، ثم يرفع رجله اليمنى ويدفع بكل ما أوتي بقوة إلى عمق الصندوق الأوراق النقدية المرصوصة مثل قطع أحجار... كاد أبي أن يُجنَّ، ساق جماعة من الرجال ذوي الجلابيب البيضاء، وذبح عجلا في عتبة منزل جدي من أمي، وقرئ الكثير من القرآن ورفعت الكثير من الدعوات لتليين قلب أمي التي لم تخرج للقاء الجماعة إلا عند مطلع الصباح، خرجت مثل عروس؛ اعتلى جبينها تاج ذهبي واصطفت في ذراعيها دمالج ذهبية ثقيلة وكست جسدها ملابس بيضاء فضفاضة فيما ازدان وجهها بماكياجات حمراء إلى أن بدا مثل زهرة، فما رآى أبي أمي حتى انكمش أمامها مثل قريد صغير وهو يستعطفها ويتوسل إليها، بل ويطلبها بكفيه كما يبسط المؤمنون أكف الدعاء إلى الله، أكثر من ذلك ذرف دموعا كثيرة، وكانت تلك هي المرة الأولى والأخيرة التي رأيت فيها أبي يبكي وهو الذي كنا نخاله لا يعرف البكاء أبدا لسلطته وجبروته في البيت.. ثم لم أذكر ما حصل بعد ذلك، ولا فهمتُ أبدا سرَّ تحول أبي منذ ذلك اليوم إلى شبه هرِّ منزلي أليف مطيع في يد أمي، تحركه بمشيئتها في أي اتجاه شاءت؛ فقد كان في وسعه، بعد أن استعاد الأفرشة والأموال، أن يطرد أمي من البيت أو يباغثها بعقد طلاق، ويلقي بها في الشارع، ولكنه لم يفعل أبدا... أكثر من ذلك، بعد خمس سنوات عن إطاحة أمي به توفي لأسباب غامضة عجز كل الأطباء عن تبينها فأخرى تفسيرها.. ألا لعنة الله على بعض النسـاء !
أأنا الذي خرجتُ من البيت أم إحدى النساء هي التي فعلت؟ من أخرجني؟ لن أعرف الجواب إلى الأبد. قد تكون الريفية، وقد تكون زوجتي، وقد تكون المرأة المكتنزة وقد يكن جميعا تواطأن ضدي وأجبرنني على قبول هذا الدور الصغير في مسرحية كبيرة لم – ولن – أعرف أبدا من كتبها ولماذا..
ها أنا على بعد خطوات من الحانة. لعنتُ نفسي كثيرا، واكتشفتُ أنني تصرفتُ بمنتهى البلادة عندما لم أقصد الحانة مباشرة بعد زيارة زوجتي إياي في المدرسة؛ لو فعلتُ لحصلتُ فورا على فتوى للتخلص الناجح من الوضع بدون أضرار تُذكر، بل ربما تطوع صديقان أو ثلاثة للعب دور الهيام بغرام الريفية والمرأة المكتنزة وشيماء اللوطي وصداقة العجوز، فيتسللوا إلى الجماعة مثلما يتسلل السرطان إلى الأجساد في الخفاء، فيتدبرون سبُل جمع أكبر عدد من عصابة اللوطيين والعاهرات في حفل أو سهرة سكرية كبرى مصطنعة، فيقيدون الجميع بالحبال والأغلال، فأخبر الشرطة، فتحضر وتلقي القبض عليهم جميعا وهم متلبسين بالجريمة. ففي الحانة نجد، نحن معشر السكارى، حلولا لجميع المشاكل؛ إن امتلأ جيبك بالمال إلى أن ضاق وأعوزتك سُبل إنفاقه اذهب إلى الحانة ويتبخر المال في بضع ساعات أو ليلة واحدة على أكبر تقدير، وإن كنتَ مفلسا وأعوزتك سبل الحصول على دين اذهب إلى الحانة تجد دائما من يقرضك؛ وإن لم تعد تطيق النظر في زوجتك وشئت الخلاص منها فاذهب إلى الحانة وستجد دائما من يفتي عليك خطة جهنمية لا يقوى عليها إلا عتاة الشياطين، وفوق هذا كله فالسكارى لا يخلفون الوعود؛ لم يسبق أبدا لسكير أن قدم لي وعدا دون أن يفي به، ولذلك فنحن نسمي الحانة بـ «دار الضمانة»، وهو الاسم الذي يطلقه الناس على الزوايا الدينية وبيوت حفدة أولياء الله الصالحين لما توفره لزوارها من حماية وملاذ آمنين..
شربتُ ثلاث جعات أو أربعة ثم وجهتُ رسالة إلى الجيلالي، واحد من هؤلاء السكيرين الذين يتوسطون عمليا في كل شيء ويحلون جميع المشاكل؛ سمسرة العقارات، كراء الشقق، الحصول على جوازات السفر، الحصول على عقد شغل في بلد أوروبي أو خليجي، التسلل بنجاح إلى الأراضي الإسبانية عبر الهجرة السرية، الترقية في الإدارة، الزواج، الطلاق، استعادة رخصة السياقة المحجوزة لدى الشرطة.... وكنتُ استفدتُ من خدمته الجليلة أيام سعيي لتطليق زوجتي الأولى بعد اعترافها بإيقاعها بي ليلة الزفاف عبر إجراء عملية جراحية لترميم بكارتها. الخدمة كانت جليلة والله لأن العاهرة أوقعت بقاضي الطلاق نفسه، وربما رافقته إلى حانات وأهدته زهرتها في ليالي حمراء، فقلب التهمة علي وحوَّل جلسات الطلاق إلى دروس في العبر والأخلاق أراد من خلالها أن يقنعني بأن أصير مصلحا اجتماعيا. صرختُ في وجهه: - أتحسبني الشيخ محمد عبده؟! عاهرة كهذه توجد مئات الآلاف مثلها، وأنا لا يد لي في حكاية افتضاضها. أتحسبنني قمامة لتلقي بهذا الجسد القذر فيها؟؟ !
اتهمني بإهانته، ولفق لي تهمة «إهانة موظف» وهو يزاول مهامه، وهو ما كان سيقودني حتما إلى القضبان لولا الجيلالي الذي صنع كمينا مفخخا للزوجة النصابة، بمساعدة جماعة من أصدقائه في سلك الشرطة، فوقعت فيه في لمح البصر؛ ضبطناها جميعا سكرانة في غرفة فندق مشرعة فخذيها لعاشق مزعوم، فنالت شهرين سجنا نافذة جزاء عن «خيانتها الزوجية»، ثم وقعت على عقد الطلاق رغم أنف أبيها... ولم تكلف العملية في مجموعها أكثر من 1000 دولار، وكنت على استعداد لدفع ضعف المبلغ للخلاص من تلك المرأة التي لا تملك وجها للاستحياء..
أرسلتٌُ للجيلالي خمس زجاجات جعة، ما أن صفها الساقي بمائدته حتى فهم الرسالة؛ دعاني، حياني ثم تهيأ لخدمتي: - مُر وأنفذ ! سمعا وطاعة ! - أريد أن أنتقل من المدرسة الفلانية بحي الفتح إلى إحدجى فرعيات بضواحي سلا تقع في طريق سيدي بوقنادل. - (ضاحكا) هذه مشكلة بسيطة جدا، والله لننقلنك إلى المريخ يا أستاذ لو رغبت في ذلك، وفي رمشة عين، هات! انس هذا الموضوع.. - ثم صفق بيديه، جاء الساقي، طلب جليسي أربع أطباق لحم مشوي ومثلهما سلاطة، وأربع زجاجات خمر أحمر من النوع الرفيع، غمغم في هاتفه النقال، وها هما بنتان جميلتان، مثل حمامتين، تلتحقان بالحانة وتنضمان إلى مائدتنا التي حرص صاحبنا على أن تكون في ركن معزول من الحانة يشبه صالونا صغيرا لا يدخله إلا الزبناء المتميزون من ذوي المال والجاه: قضاة، محامون، موظفون كبار في أسلاك الشرطة والدرك والجيش... والحق أنه رغم ترددي شبه اليومي على الحانة، أيام كنت في عنق زوجتي الأولى، لم يسبق لي أبدا أن جلستُ في هذا الصالون الذي يشبه مقصورات الحور العين التي لم أسمع بها سوى في القرآن. أغلق رب الحانة باب الدخول العمومي إلى الصالون، وأبقى علي باب سري يُفضي مباشرة إلى الفضاء الحميمي للخمارة: فضاء المطبخ ومخزن زجاجات النبيذ والخمر وبيت مال الخمارة. في غمرة السكر أقنعني تاجر الخدمات والوساطات بأنه يتعين علي أن أحمد الله وأشكره هو شخصيا لكوني جالس في هذا الصالون المبارك الذي لا يدخله العامة من السكيرين، وبأنني لو سددتُ ثمن ما في المائدة من خمور وطعام فسيكون ذلك من باب الإهانة الصريحة له وللبنتين، ولذلك يتعين علي التظاهر بأنني في ضيافتهم الشرفية، وهو ما فعلتُ: أخرجتُ حوالي ثلثي أو نصف ما كان في حقبتي من أوراق نقدية، ثم قعدتُ أتفرج على سبل إنفاق الوسيط إياها.
ساقت الخمرة إلينا رجلا آخر، يبدو أنه ثري، أنفق هو الآخر بسخاء إلى أن اشتعلت رغبة النساء في دواخله. اقترح مخططا جهنميا على الوسيط: - أريد أن تتعرى البنتان ! - هنا؟ ! - لا، في بهو الحانة، تصعدان فوق الكونتوار، وهما عاريتين تماما. غمغم الوسيط في أذن البنتين، سألتا الثري بصوت واحد: - وكم تدفع؟ - ما شئتما اختفى الوسيط لحظات، غمغم في أذن رب الحانة، ثم عاد: - الحانة حانتك والبنات وبناتك ! - كم أدفع؟ ! - حاشا ومعاذ الله أن ندخل معك في هذه التفاهات! فأنت رجل كريم!
وضع الثري الثمل حقيبة نقدية صغيرة رهن إشارة الوسيط الذي أفرغ أحشاءها بسرعة البرق وقسمها إلى حصص أربعة: واحدة له، وأخرى لرب الحانة وثالثة للبنت الأولى والرابعة للبنت الثانية. وما مضت بضع دقائق حتى دعانا رب الحانة لمغادرة المقصورة الفردوسية والالتحاق بعموم السكيرين، حيث وجدنا مالك الخمارة كان قد سبق إلى إقفال الباب بأقفال حديدية، ثم دلى ستارا لإيهام من في خارج الحانة بأنها مغلقة، ثم هيتَ لكم للفرجة: خلعلت البنتان ملابسهما قطعة قطعة ببطء أبداهما في رتبة العارفات بمقامات الأشرطة البورنوغرافية، حتى إذا صارتا كأنهما نزلتا للتو من رحمي أميهما، صعدتا فوق الكونتوار ثم انخرطتا في عرض خرائط جسديهما على السكيرين عبر الدوران إلى أن هاجت الحانة وماجت: امتزج ضحكُ السكارى وصفيرُهم وتأوُّهُ بعضهم بقرقعات الكؤوس فبدا المشهد أقرب إلى حفل ديني بدائي. وما مرت ساعة أو اثنتين حتى كانت جميع مخزونات الحانة من الخمور قد نفذت، فصفق رب اللخمارة بأن أوان الإغلاق قد حان...
هاجمتني جيوش الوساوس السوداء: ماذا لو نكث الوسيط بوعد الانتقال على غرار الناكثين الذين يعدون المواطنين بعقد شغل في دول الخليج أو أوروبا، فما ينالون مقابل الخدمة حتى يتبخروا؟ أو على غرار وسيطات عقول الشغل العجوزات اللائي يعدن البنات بعقود أشغال محترمة في بلدان أوروبية أو خليجية فما ينلن مقابل الخدمة حتى يلقين بالمرشحات إلى دهايز علب الليل ومواخيرها لتجدن أنفسهن راقصات أو بطلات في الأشرطة البورنوغرافية؟ ماذا لو اهتدت المرأة المكتنزة وزجها ونعيمة وشيماء لمكان وجودي وباغثوني فيه؟ تهيأت للأسوأ، ركبتُ العناد والتعجيز، قلت للوسيط: - اسمع يا السي الجيلالي! أنا صرفتُ أضعاف الخدمة ولم أشتم رائحة انتقالي بعد! - سمعا وطاعة! سننقلك فورا إلى المدرسة الجديدة !
غمغم في هاتفه النقال، وها هو شاب أنيق يحضر ومعه قائمة المدارس الفرعية الموجودة في ضواحي سلا، نشر القائمة أمامي، ثم استرسل في تقديم شرح لكل مؤسسة: هذه تبعد عن الرباط بمقدار كذا كيلومتر، بجانبها حمام ومخبزة ومقهى، تلاميذها مختلطون، آباؤهم كرماء، هذه مدرسة في حي صفيحي لا يمكنك السكن فيه، ولكن ميزتها أن سيارات الأجرة الكبيرة إلى الرباط متوفرة فيها ليل نهار، هذه تقع بجانب محطة الأوتويس رقم كذا الذي يكتظ بعاملات معمل نسيج كذا، هذه تقع في حي أصولي، إن اخترتها فيتعين عليك إعفاء اللحية ومداومة ارتداء الجلباب والتظاهر بالصيام والصلاة، الخ. اخترتُ واحدة بضربة حظ، تأكد الوسيط من اختياري، ناوله الشاب خاتم وزارة التربية والتعليم، ختم طلبي، وترك لي أمر تدوين المدرسة بعد أن سجله في كناش بجيبه لاستكمال الإجراءات داخل الوزارة.
عدتُ للفندق وأنا أطير فرحا وإحساس يغمرني بأنني قد ولدتُ للتوّ. عندما أسلمتًُ خذي للنوم أحسستُ بأنني نكتُ الدولة، أيقنتُ أنني رجلا عظيما، وصرفتُ الوقت الذي فصلني عن النوم في تصور وتخيل أوضاع النكاح التي اقتنصتُ بها متعة النوم في سرير الدولة إلى أن أجبرتها على أداء فروض الطاعة والولاء وتسليمي وثيقة النجاة؛ تارة أتخيلها امرأة مترامية الأطراف؛ لا يمكن الإحاطة بصورتها إلا في السماء على شكل سحب عملاقة، يبد نهدها الأيمن عن الأيسر بعشرات الكيلومترات، وتارة أتصورها مثل واحدة من البنات قصيرات القامة قريبات الزهور ولذيذاتها اللائي أدفئن فراشي أيام كان لي منزل، وكنتُ أستقبل فيه طوابير النساء... جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمرأه من سلاله الشياطين الجزء الثامن والعشرون المصدر : منتدى كل العرب
|
|