جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمرأه من سلاله الشياطين ...... الجزء الثامن الجمعة 23 يوليو 2010, 11:36 am | |
|
امرأة من سلالة الشياطيـن القسم الثامـن
كبرت فراخ الحمام بسرعة قياسية، تحولت إلى قوافل أزواج حمام زاجل يحلق بنا في الأجواء العليا؛ أعطى كلانا للآخر ما هو أشد حميمية فيه، وبمنتهى الكرم، إلى أن رشح جسدانا عرقا وحُلت عقدتا لسانينا فتبادلنا وحيا مزيجا من الفحش والحشمة؛ - سيدي ! أنا عبدة لك. سيدي! مُرْ فأطيع. احرثني أنى شئت. أنا الأرض العذراء وأنت الفاتح الغازي ! ردَّدت مرارا بعدما أركبتني في أرجوحتها، فيما استعدتُ نخوة القرون السابقة إلى أن وجدتُني ألعب أدوارا شتى...
لتبديد سأم اللذة، خللتْ قعودنا في المحراب بتمثيل دور «كايشة يابانية»، فهمتُ سر الجوربين السوداوين المُخرَّقين..
فيما كنا غارقين في لعبنا الجميل، هوت على باب المنزل طرقات شديدة ملحاحة لا يمكن أن تصدر إلا عن شخص يعرفني حق المعرفة، وهو ما استغربته لأنني كنتُ أوصدتُ باب منزلي بقفل مُهنَّد على الأصدقاء قاطبة منذ ليلة المداولات التأديبية للمدير والمعلمة الخائنين. ارتبكتُ، توقعتُ الأسوأ؛ شخص ما قد يكون سعى بي إلى الشرطة، حبستُ أنفاسي، تسارعت دقات قلبي، قالت بمنتهى الهدوء: - إنها طرقاته.. افتح له الباب، ثم ادخله.. - من؟؟ !! - هو - من هو؟؟ !! - اسرعْ، اسرعْ، ستفهم فيما بعد
توجهتُ نحو الباب أجر خطوا متثاقلا فيما انخرطت هي في ارتداء ملابسها المحترمة الأنيقة التي لبستها ليلة المعرض التشكيلي.
قبالة الباب، وجدتُ سيارة 4 ×4 سوداء اللون فاخرة، قعد أمام مقودها سائق فيما وقف شخص ثان أمام الباب. كان طارق الباب رجلا مُسنا في حوالي منتصف الستين، نحيفا بشكل خاص، ارتدى ملابس أنيقة جدا وتعطر بعطر تقرص رائحته الأنفَ عن بُعْد، تذكرتُ أنه سبق لي أن رأيته من قبل دون أن أعرف أين ولا متى، حياني، حياني ثم سأل: - لازالت هنا؟
قبل أن أنطق بكلمة واحدة كانت هي واقفة خلفي، أجابته نيابة عني ثم استدرجته إلى المكتبة، أوصدت الباب، جلسا وحيدين. أجهدتُ نفسي في التصنت على حديثهما من وراء الباب، لكني لم أتبين من كلامهما أي شيء؛ كل ما التقطته لم يتعد كلمة «نعيم»، وبعض القهقهات التي حرصا حرصا تاما على كتمانها في ما أظن. أحسستُ بنفسي غريبا في منزلي، بل دخيلا؛ كأنني حشرة أو أكذوبة. استبدت بي الوساوس؛ لماذا يضحكان؟ أتراهما أوقعا بي في فخ مدروس؟ من أخبر زوجها بأنها هنا؟ من أعطاه عنوان المنزل؟ كيف تبينتْ طرقاته؟ لماذا لم يُبد أي استغراب من وجودها هنا مع أنه يعلم، حسب كلامها، بأنها مسافرة في ندوة؟وما أدراني؟ فقد تكون حكاية الإشعار بالندوة مجرد كذبة؟ لماذا توجَّه معها إلى المكتبة كأنه ذاهبٌ إلى مكان يعرفه حجق المعرفة؟ بل لماذا لم يجُل بعينيه ولو لحظة في فضاء المنزل وكأنه في منزله؟ هل كلمته في الهاتف؟ متى؟ ولماذا؟ ثم لماذا لم تخبرني؟ تحول عقلي إلى آلة لإنتاج الأسئلة المقلقة.
استحوذ عليَّ الفزع؛ تذكرتُ قصصا عديدة عن فخاخ الزوجات، وبالخصوص أول قصة سمعتها في حياتي في الموضوع، وأنا لازلتُ طفلا، وآخر الحكايات، وكنتُ قرأتها منذ بضعة أيام فقط في إحدى الصحف: - إياكم يا أبنائي والنساء المتزوجات !
كررت جدتي على مسمعنا مرارا، قبل أن تفسر موت عياش الملغز؛ نظرت يمينا وشمالا لتتحقق من عدم وجود أّذن أجنبية يمكن أن تلتقط الخبر وتذيعه، ثم قالت: - مات مقتولا، دسّوا آلته الموسيقية في دُبُره !
ألقت بهذه الجملة مثل رصاصة، ثم شرعت تحكي التفاصيل: «تقرب إلى بنت حديثة عهد بالزواج إلى أن حامت حولهما الشبهاتُ، قرَّرها أهل الزوج العروسَ فأقرت بالخيانة، أمروها بضرب موعد معه واحتضانه في الفراش كالعادة، فضربت العروسُ موعدا لعياش، وما أن شرع في قطاف الزهرة الصغيرة حتى قام ثلاثة رجال من تحت السرير وهم يحملون «كمبري» نسخة طبق الأصل من «كمبري» عياش، وخلعوا أعواد تسوية الأوتار، ثم دسّوا العصا في إسته، مسكين... - قتلوني يا أختي قتلوني، هذا سر موتي، لا تخبري به أحدا !
كررت جدتي على مسمعنا مرارا ، بمزيج من الأسى والافتخار والخوف، وهي تنظر يمينا وشمالا لتتحقق من عدم وجود أّذن أجنبية يمكن أن تلتقط الخبر وتذيعه: أسى المصير المؤلم للمغني الذي كان يخلد أفراح العائلة في كل الحفلات؛ الافتخار بكونها الوحيدة التي تعلم سر الموت الملغز للمغني؛ ثم الخوف من أن تتكرر الحكاية مع أحدنا عندما نكبر.
في ركن أخبار الجريمة، أوردت صحيفة واسعة الانتشار نص الخبر التالي تحت عنوان: «إلقاء القبض على زوجين احترفا النصب»: «ألقت شرطة مدينة مراكش القبض على زوجين ابتكرا طريقة ذكية لابتزاز الضحايا، إذ كانت الزوجة تعمد إلى التجمل والتعطر واترداء ملابس مثيرة، ثم تخرج إلى الشارع للإيقاع بالمتحرشين، بينما يراقبها زوجها من بعيد. وبمجرد ما تقف سيارة تستجيب الزوجة للنداء، فتركب وتستدرج صاحب العربة إلى ضواحي المدينة، فتمكنه من تقبيلها ولمس أجزاء من جسدها، وبمجرد ما يتهيؤ للجماع تقف سيارة أخرى، فيخرج الزوج ويشهر مسدسا متظاهرا بضبط الإثنين في حالة تلبس، ويستعد لسوق الإثنين إلى أقرب مكتب للشرطة، فلا يجد الضحية بدا من الدخول في مفاوضات مع الزوج تنتهي بتسليم كل ما يحمله معه من أموال، وإن لم يكن معه مال فإنه يضطر لدفع السيارة فدية عن جريمته. وما كان النصابان ليقعا في يد العدالة لولا أن الضحية الأخيرة كان ضابطا في سلك الشرطة».
ها هما يخرجان من المكتبة، بوجهين بشوشين، حياني الزائرُ بتحية البداية نفسها: نظرة غامضة، وابتسامة أميل إلى فغر الفاه منها إلىالانشراح، ثم اختفى الغريب ليصير حدث وجوده مثل حلم كابوسي.
التحقتْ مُجددا بالسرير، وهيأتْ لي على نحو ما كانت هيأت من قبل، لكن هيهات، ثم هيهات! فقد انقرضت الرغبة فجأة بداخي انقراضا؛ انقبض شأني، أجهدتُ نفسي في الظفر ولو بنصف معلومة عما راج بينهما في المكتبة كنها صدت أسئلتي دائما بالجواب الصارم نفسه: - لم نتبادل شيئا ذا فائدة !
انتابتني شكوك في الحكاية كلها، منذ معرض السفارة حتى الآن، أيقنتُ أن شيئا ما يُدبَّرُ لي في الخفـاء. وماذا كان بوسعي أن أفعل غير هذا، لا سيما أنني سأفيق في الصبح الموالي على الطرقات نفسها وعلى الرجل نفسه، وقد جاء هذه المرة حاملا إكليلا من الزهور أحسن اصطفاءها وقدمها لنا كما تُقدَّم الهدية لعروسين؟
في الليل، حلمتُ حلما مرعبا، لم أفطن على إثره إلا وأنا منتفض في الفراش، أحملق في الظلام وأنا أصرخ: «ماما ! ماما !» وسليلة الشياطين تحيطني بذراعيها؛ أغرقتني بالقبلات وخصلات شعرها المخملية تتحرك في صفحة وجهي مثل يد أم حنون، وهي تقول: - باسم الله عليك ! باسم الله عليك ! ----- يُتبَــع جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمرأه من سلاله الشياطين ...... الجزء الثامن المصدر : منتدى كل العرب
|
|