[SIZE="5"]أين الله ؟
عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال :
بينا أنا أصلي
مع رسول الله صل الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله !
فرماني القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أمياه !
ما شأنكم تنظرون إليّ ، فجعلوا يضربون بأيديهم
على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني ، لكني سكت ،
فلما صلى رسول الله صل الله عليه وسلم فبأبي
هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه
فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني .
قال : (إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس
إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن .)
أو كما قال رسول الله صل الله عليه وسلم .
قلت : يا رسول الله إني حديث عهد بجاهلية ،
وقد جاء الله بالإسلام ، وإن منّـا رجالاً يأتون الكهان .
قال : فلا تأتهم . قال: ومنّـا رجال يتطيّرون
قال : ذاك شيء يجدونه في صدورهم ، فلا يصدنّهم .
أو قال : فلا يصدنكم .
قال قلت : ومنّـا رجال يخطُّون .
قال ( كان نبي من الأنبياء يخطّ ، فمن وافق خطه فذاك .)
قال : وكانت لي جارية ترعى غنماً لي قِبَـلَ أحد والجوانية ،
فاطّـلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذهب بشاة من غنمها ،
وأنا رجل من بنى آدم آسف كما يأسفون ،
لكني صككتها صكّـة
فأتيت رسول الله صل الله عليه
وسلم فعظّم ذلك عليّ .قلت : يا رسول الله أفلا أعتقها ؟
قال : ائتني بها .
فأتيته بها
فقال لها : أين الله ؟
قالت : في السماء .
قال : من أنا ؟
قالت : أنت رسول الله .
قال : أعتقها ، فإنها مؤمنة .) رواه مسلم .
فوائد الحديث :1 –
أن الصلاة لا تنقطع بكلام الجاهل والناسي ،
بينما تنقطع بكلام العامد .
2 –
أن الكلام الذي يكون في الصلاة إذا كان من لفظ
القرآن لا تبطل به الصلاة
3 –
التلطّف في تعليم الجاهل ، فقوله :
فو الله ما كهرني أي ما انتهرني .
4 –
حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ،
ورأفته بأمته ، وشفقته بهم .
5 –
تحريم إتيان الكهان . والكاهن هو من يدّعي
معرفة الحوادث المستقبلية ويدّعي معرفة الأسرار .
6 –
عدم الالتفات إلى ما يدور في الصدر من الطيرة
والوساوس ونحو ذلك .
7 –
معنى " كان نبي من الأنبياء يخطّ " قال النووي :
الصحيح أن معناه من وافق خطه فهو مباح له ،
ولكن لا طريق لنا إلى العلم اليقيني بالموافقة فلا يُباح ،
والمقصود أنه حرام ؛ لأنه لا يباح إلا بيقين الموافقة ،
وليس لنا يقين بها ، وإنما قال النبي صل الله عليه وسلم :
" فمن وافق خطه فذاك " ، ولم يقل : هو حرام بغير تعليق
على الموافقة ، لئلا يتوهم متوهّم أن هذا النهي يدخل فيه
ذاك النبي الذي كان يخطّ ، فحافظ النبي صل الله عليه
وسلم على حرمة ذاك النبي مع بيان الحكم في حقنا ،
فالمعنى أن ذلك النبي لا منع في حقه ،
وكذا لو علمتم موافقته ، ولكن لا علم لكم بها . انتهى .
8 –
قِبَـلَ أُحـد والجوانية : أي جهة جبل أحد وموضع يُسمّى
" الجوّانيّة " شمال المدينة .
9 –
جواز استخدام الجارية " الأمَـة " في الرعي ونحوه .
10 –
آسف : أي أغضب .
وهو – رضي الله عنه – قد اعتذر عن نفسه بهذا الأسلوب
حيث قال : وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون .
أي أغضب كما يغضبون .
11 –
التشديد في حقوق الخلق ، والمُسامحة في حق الله
.فلما أخطأ معاوية رضي الله عنه وتكلّم في الصلاة لم يُعنّفه
النبي صلى الله عليه وسلم بل لم ينتهره ، ولما ذكر ما فعل
بالجارية من ضربها ولطمها شدّد النبي صل الله عليه وسلم
عليه ؛ لأن ذلك حقّ متعلّق بمخلوق ، وحقوق الخلق مبنيّة
على المُشاحّة والمقاصّة .
12 –
جواز السؤال بـ : أين الله ؟ والجواب : أنه في السماء .
13 –
من شهد أن الله في السماء وشهد للرسول
صل الله عليه وسلم بالرسالة حُـكم له بالإيمان ،
والسرائر أمرها إلى الله .أما من شهد أن الله في
كل مكان أو أنه لا يعلم أين الله ، فلا يُشهد له بالإيمان .
14 –
تشوّف الإسلام إلى العتق ، والمبادرة إليه ، ففي كثير من الكفارات
يدخل عتق الرقاب . والله أعلم .
كتبه الشيخ
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم