جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمراه من سلاله الشياطين ... الجزء الرابع عشر الجمعة 23 يوليو 2010, 11:18 am | |
|
امرأة من سلالة الشياطيـن القسم الرابع عشـر
نزل عليَّ رفض حضورها مأدبة العشاء مثل قطعة ثلج، أحسستُ بمُركَّب من الإحباط والخيبة والفشل. ليتني لم أخبرها بسفري المزعوم؛ ها أنذا ألزمتُ نفسي بسجن نفسي في المنزل يومين كاملين وقطعتُ عليَّ كلَّ إمكانية للتواصل معها. ها هي محنة أخرى كبرى.
حاصرتني صور الإحباطات العديدة؛ الأولى كانت مع زوجتي الأولى، ولكن الخطأ كان خطؤ والدتي؛ هي التي اختارتها لي بدعوى أن معظم بنات اليوم قل حياؤهن، وأن أغلبهن يعبثن بأزهارهن قبل الزواج. اختارتها لي خياطة، بنت حسب ونسب، «لم يمسسها إنس ولا جان» قبلي، على حد قولها. ولكن ليلة الاختلاء الأول جاءت بالمفاجأة العظمى؛ كان نزول الدمَ تمثيلية مُخرجة الإحكام، تماما مثل تمثيلية المرأة المكتنزة بُعيد انصراف الشغالات الثلاث، مع فارق واحد: المرأة المكتنزة أغلقت محرابها، بعد سجودي فيه، من باب التسلية والتفنن في تلوين الجنس بتوابل الاستيهام، وهي الحكمة التي تنقص معظم الزوجات. أما زوجتي فاستبلدتني. شق عليَّ طبعا تصديقها بعدما وجدتُ محرابها واسعا، ورأيتُ فيه آثارا تنبئ بمُرور أكثر من إمام ومُصَلّ قبلي.
أغمضتُ العينَ على مضض أمام استنكار الوالدة؛ كلما أعربتُ لها عن شكوكي قالت: - العن الشيطان يا ابني! واطرد الوساوس من عقلك!
هو ما فعلتُ على الدوام، لكن دلوني - حفظكم الله - على طريقة للعن هذا «الشيطان» وطرد هذا «الوسواس»: كنتُ في حانة، وساق السكرُ أحدهم إلى اعتلاء منبر الحكي، فراح يَحكي ملاحمه في عالم العشق والغرام ويقص فتوحاته المقدسة في محاريب النساء، ومضى إلى حد الزعم بأن افتضاض بكر في هذا الزمان صار أيسر من فقس بيضة عصفورة. ودعم زعمه بإشهار كمشة من صور البنات اللواتي دشنَ محاريبهن. ثم يا للهول! زوجتي ضمن الصور !!!!
هالني الأمر، تظاهرتُ بالعياء والتعب، غادرت المجلس فورا، عدتُ إلى المنزل، هددتها بالقتل، إن لم تخبرني بما فعلت بالضبط ليلة الاختلاء الأول: - نعم، كنتُ ثيبا لما خطبتني، وكانت لي مغامرات كثيرة مع رجال كثر قبلك، وقد أجريتُ عملية جراحية قبيل ليلة الاختلاء بـ 48 ساعة، خاط فيها الطبيب ثقبي، فعدتُ بكرا... - يــاه! الله أكبر!!! سبحان الله العظيـم! إيوا؟! - اغفر لي أقول لك الحقيقة كاملة: فررتُ مرة من مدرسة الخياطة، فأردتُ اللعب مع رجل؛ أشرعتُ له المحراب كي يتزحلق فإذا به يقع في الغار. وبتتالي الأيام، تناولتُ خمرا ودخنتُ وأشرعتُ محرابي لمسافرين كُثر... ولكني كنتُ على يقين أن الله يحفظ لي رجلا سيسترني، فكنتَ إياه؛ كم من مزبلة صارت مسجدا !!
أمسكتها من شعرها، سحبتُ جسدها من غرفة النوم إلى باب المنزل، ثم ألقيتُ بها في صندوق القمامة. وقد أحسنتُ إليها طبعا، ولها أن تحمد الله وتشكرني، لأنني لم أطالبها بإعادة تكاليف حفل الزواج الباذخ الذي فرضته عليَّ هي، ثم تفنَّن آلها وصحبها في ترتيب بُنوده وشروطه....
أفهمُ جيدا أمي؛ فهي امرأة لم تتطوَّر ملمترا واحدا، وتحسب أن العالم ثابت ثبات عقلها. عندما كنا أطفالا كان حدث إيقاع هذه البنت أو تلك بولد فلان أو علان، يُولد حكايات تقشعر لها الأبدان، ترويها لنا الجدة وتزكيها الوالدة: - احذروا البنات، فالويل كله لمن اتهمته إحداهنَّ بأنه أدمى زهرتها.
وليس كل المحامين بقادرين على إفحام هيأة المحكمة على نحو ما فعل المحامي الفلاني، في إحدى حكايات الوالدة، عندما شهر إبرة وخيطا في وجه الجميع ثم قال لهم: - انظروا يا سادة، هذه إبرة وهذا خيط، أيكم يقوى على إدخال الخيط في ثقب هذه الإبرة؟ إن يفعل أحدكم، فإني لن أتنكر لموكلي فحسب، بل وسأنقلب من صف الدفاع إلى صف الاتهام وأحرر للتو صك اتهام يطالب بإعدامه.
تعاقب المحامون وهيأة المحكمة واحدا واحدا، أمام المحامي؛ كلما همَّ أحدهم بإدخال الخيط في ثقب الإبرة، حرَّكَ المحامي الإبرة، ففوّتَ على ممسك الخيط إمكانية الإيلاج، ولما أيقنوا جميعا استحالة إفحام زعم المحامي، شرح لهم هذا مثَلَـهُ: - يا سادة! ثقب الإبرة هو جهاز هذه السيدة، والخيط هو شأن موكلي. والله لو لم تُمَكِّنه هي من زهرتها عن طيب خاطر لما تمكن من قطافها.
حاولتُ لأيا إعادة إخراج المشهد نفسه في مكتب الشرطة، للإفلات من قبضة من ستصير زوجتي الثانية، ولكن عبثا؛ قال لي عميد الشرطة بلهجة صارمة: - اسمع يا هذا! نحن هنا لا نعرف إبرة ولا خيطا؛ نحن في دائرة شُرطة ولسنا في معمل خياطة! أنت ضيَّعتَ شرف البنت، ولك أن تختار بين حلين لا ثالث لهما: إما تعترف بالمنسوب إليك، وتتزوجها أو تمعن في الإنكار ونحيل المحضر على وكيل جلالة الملك، ولك أن تهيء نفسك لقضاء سنوات خمس وراء القضبان.
نظرتُ يمينا وجدتُ قضبان السجن، التقت يسارا لاحت لي قضبان الزواج، اخترتُ السجن الثاني؛ اعترفتُ، وتزوجتُها غم أنها تصغرني بعشرين عاما، ومكثتُ وراء القضبان سنوات خمس إلى أن فتح الله عليَّ بالخلاص، فكان أول ما فعلتُ بعدَ الخروج من السجن، كتابة «ممنوع الزواج والرزق على الله» بخط بارز في لوحة وضعتُ لها إطارا جميلا، ثم علقتها في البيت. لم أزل اللوحة إلا بعد أن كادت تقودني إلى السجن:
فقد حصل ذات دخول مدرسي أنني سهوتُ، فحملتُ لوحة «ممنوع الزواج والرزق على الله» بدل رسم «ممنوع الغش في الامتحان»، وعلقتها في حجرة الدرس، دون أن أنتبه أنا ولا التلاميذ للخطأ إلى أن ساق فضولُ السؤال ذات يوم تلميذا إلى مُخاطبة أبويه: - بابا! ماما! هل أنتما متزوجان؟ - طبعا يا حبيبنا، وعلى سنة الله ورسوله، ومن قال لابننا إننا زانيان؟ - بابا! ماما! احذرا الشرطة، فقد تلقي القبض عليكما، لأن المدرسة قالت لنا: «ممنوع الزواج والرزق على الله».
وكاد الأب أن يسوق لي الشرطة لولا مفاوضات عسيرة كللها الله بلطفه وحفظه... وتفاديا للتبعات المحتملة لهذا الحادث، أتلفتُ إطار «ممنوع الزواج»، واستبدلته بآخر كتبتُ عليه: «ممنوع استقبال العازبات»، وأمام احتجاج العديدات من زائراتي، لطفتُ القرار السابق بالحالي: «ممنوع التزحلق في محاريب العازبات». ألم أقض بسبب التزحلق سنوات خمسا وراء القضبان؟! تدعوك الواحدة منهن إلى التزحلق قائلة: «لا تخش شيئا، إني لمحرابي لحافظة»، لكنك ما تستغرق في التزحلق وقتا قصيرا حتى تستغلفك، فلا تفطن لنفسك إلا وأنت داخل الغار تتعبد بعد أن تطاير الدمُ يمينا وشمالا... فهيا إلى أقرب مكتب للشرطة، فالعدلين، فمكتب الحالة المدنية، فمستشفى الولادة... وهنيئا للجميع بالتزحلق المبارك..
للخروج من هذه السحب السوداء، أعدتُ تشغيل هاتفي النقال، وكنتُ أوقفتُ تشغيله طيلة الأيام التي قضتها معي المرأة المكتنزة معي، قاطعا بذلك طريق الاتصال على سائر معارفي من البنات والنساء. نعم، طرقتْ بعضهن الباب مرارا، لكنني لم أفتحه لأي واحدة منهن، بل غيبتُ سائر علامات وُجودي في المنزل؛ عرفتُ طرقات شرطية المرور، ونورة، ونوال، ونسرين، وحنان، وأسماء، الخ. وكلما كانت تحثني المرأة المكتنزة على فتح الباب كنتُ أزعم لها ألا داعي، قائلا: هي جارة جاءت تطلب ملحا أو إبزارا، أو هو شحاذ يطلب خبزا، الخ. وكانت تصدقني في مزاعمي قاطبة.
أول من كلَّمَ شرطية المرُور. وما مضت لحظات حتى توالت المكالمات: غزلان، هند، نسرين، فدوى، نورة، حنان، سعاد، أعدتُ لازمة واحدة عليهن جميعا: - كنتُ غائبا لأنني تزوجتُ. أجريتُ حفل الزواج في مدينة مراكش، بين الأهل والأحباب. العروسة لازلت هناك في مراكش، وستلحق بي في غضون 48 ساعة.
كان الخبر فاجعة حقيقية لهنَّ جميعا، وأفجع منه كانت ردودُ أفعال العديد منهن، إذ أزاحت الحجاب دفعة واحدة عما خفي عني طوال ارتباطي بهنََ؛ فمنهن من أغمي عليها، ومنهن من أغرقتني بوابل من الشتائم متوعدة إياي بانتقام عظيم، ومنهن من أرسلت نواحا عظيما كأنها تلقت للفور نبأ موت قريب عزيز ... حدستُ أن المنزل سيمتلئ غدا عن آخره بالزائرات، وهو ما كان. «أول ما أفيق في الصباح أشتري خاتم زواج»، قلتُ، ثم استسلمتُ لنوم شاحب حزين. --------------- يُتبَـــع__________________ جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمراه من سلاله الشياطين ... الجزء الرابع عشر المصدر : منتدى كل العرب
|
|