جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمرأه من سلاله الشياطين .... الجزء الثالث عشر الجمعة 23 يوليو 2010, 11:22 am | |
|
امراة من سلالة الشياطيـن القسم الثالث عشـر
على امتداد الطريق الفاصل بين المنزل والمدرسة لم أكف عن توبيخ نفسي لتسرعي؛ ربما ضيعتُ فرصة العمر اليوم؛ بدل التخلص من زوجها والرجوع وحيدا إلى المنزل كان عليَّ أن ألازمه مثل ظله لأكسب وُدّه وصداقته، لو فعلتُ لكان بإمكاني أن ألتحق بها الآن فى منزلها وأن أتفاوض معها، وربما نجحتُ في إقناعها بالتراجع عن قرارها والعودة مجددا إلى منزلي بتزكية من زوجها، بدل أن أصدع رأسي الآن مع هذا العجوز الآخر الذي قد يكون عرف من أين تؤتى الكتف. من يدري؟ فربما يكون فاوضها في غيابي والتوى عليها مثل أخطبوط فأقنعها بأنه أنسب لها مني... إيه! ولكن هي قالت له صبيحة سلمتْه شهادة إجازة «مرضي»، إنها أختي وإنها جاءت من مراكش خصيصا بسبب مرضي.. ماذا جرى بالضبط؟
رحتُ أخمِّن السيناريو الذي قادهما إلى فراشي؛ زارته في المكتب، قدمتْ نفسها له باعتبارها أختي، ثم حدثته عن مرضي وسلمته الشهادة الطبية، استهلَّ الكلام بالحديث عن جدِّي ومواظبتي، قال لها: أخوك من أفضل معلمي المدرسة، يُحبه التلاميذ لدرجة العبادة، هو لهم بمثابة الأب أو أكثر، رجل خلوق إلى آخر الأغنية، وبعد ذلك عطف بالحديث نحو مَرضي، وضعفنا نحن معشر البشر، وفنائنا ودوام وجه الله، وضرورة الاستعداد لعذاب القبر ويوم القيامة والآخرة، الخ. إلى أن أوهمها بأنه قديس، تمهيدا للنبش في حياتها: - هل الأستاذة متزوجة؟
ويكفي أن تجيبه فيوقع بها؛ إن تقل متزوجة يستدرجها للحديث عن زوجها إلى أن تذكر أحد عيوبه فيهتدي لأقصر طريق لضريحها، وهي ما تحتاج إلا لهذا كي تذوب. وإن تقل مطلقة يعدها بالزواج الفوري من أحد أقاربه الأثرياء الذي ينتظر امرأة من صنفها منذ عقد من الزمان دون أن يفتح الله عليه بعد، بل وقد يمضي اللعين إلى حد وعدها بفقيه صاحب كرامات في تزويج العانسات والمطلقات والبائرات. وفي كلتا الحالتين سيسقطها في الفخ، وهي من النساء اللواتي لا تتصور الواحدة منهن إمكان اختلائها برجل دون أن يؤدي هذا الاختلاء إلى اشتباك الأجساد. إن لم يقطف زهرتها تغضب عليه أو تعتبره مغفلا وساذجا وبليدا. أعرف هذا النوع جيدا، وآخر من قطفت زهرتها قبل اللقاء بالمرأة المكتنزة كانت تحديدا من هذا النوع:
إنها شرطية المُرور. كانت بضع دقائق للتفاوض معها في شأن مخالفة سير صديقي كافية مني لأخذ رقم هاتفها وترتيب موعد للقاء في منزلي. لم تتأخر دقيقة واحدة، بل بكرت بحوالي 5 دقائق. استقبلتها، أسمعتها موسيقى جميلة، دخنا سجائر وشربنا مشروبات غازية، دردشنا كثيرا، ثم حان موعد انصرافها. استعظمتُ أن أمدَّ يدي لزهرتها منذ االلقاء الأول، لا سيما أنها من عائلة محترمة، ومطلقة من طبيب. ودَّعتها، تظاهرت بالرضا عني، كلمتها في المساء لترتيب موعد للقاء المقبل، قبلتْ، كلمتها في اليوم الموالي لتأكيد الموعد، قبلتْ، بل طمأنتني. ولكن لمَّا حان موعد اللقاء لم تحضر مع أني هيأت غذاء فاخرا أنفقت فيه مبلغا مُحترما. كلمتُها خمس مرات فما أجابني في الهاتف إلا الخواء. في الليل عاودتُ مكالمتها، وكان جوابها إسماعي أغنية «باحبك»، ثم قطعت خط الاتصال، دون أن تنطق بكلمة واحدة. أضربتُ عنها أياما خمسة، فلما كلمتها وجدتها فاكهة نضجت إلى أن أوشكت هلى الاهتراء. غضبتُ عليها، وأنا شبه يائس من عودتها مجددا، لكنها في اليوم الموالي جاءت، فخصصتُ لها استقبالا حارا؛ ما أن خطت أول خطوة في المنزل حتى عرجتُ بها مباشرة إلى غرفة النوم وأنا أكاد أخنقها بالعناق والقبل. رفعتُ الساريتين الرخاميتين إلى السماء، أطلتُ السجود في المحراب، ثم قطفتُ الزهرة، وركبتُ في الأرجوحة، فإذا بزائرتي امرأة أخرى؛ غاب الشحوب عن وجهها لتكسوه ابتسامة واسعة، وتبدلت نبرة كلامها إلى انشراح واضح، بل وشرعت في لوك شوينغوم. أما لما أطلقتُ الموسيقى، فإنها رافقت المغنية في الغناء بصوت مسموع، ولما انساقت مع المعزوفة قامت ترقص. انصرفتْ وهي تكاد تطير فرحا، ومنذ ذلك اليوم توثقت الصلة بيننا الصلة إلى أن قطعتها المرأة المكتنزة.
لا، لا، لا، هي التي أوقعت به؛ ألم تقل إنها هي التي اصطادتني؟ ألم تقل عن سائق سيارة الأجرة الصغيرة الملتحي أنها لو كانت وحيدة وشاءت الإيقاع به لما أفلت من قبضتها؛ لأطبقتْ عليه مثل دجاجة فما يكون للحديث بقية بينهما إلا فوق السرير؟ حسنا! ولكن لماذا يقترب من عريني؟ ها هو يفعلها للمرة الثانية ! في الأولى استدعى المعلمة لأمر «هام وعاجل وفي منتهى السرية»، اتجهت المسكينة إلى مكتبه وقلبها مفزوع، فما دخلت حتى أغلق الباب ليلقي عليها وحيه السري؛ زعمَ أن زوجها اغتصب إحدى التلميذات، وعزز دعواه بشهادة طبيبة مُزوَّرة؛ قال لها إنه أعد تقريرا سريا سيبعث به إلى نيابة التعليم وإن زوجها سيُلقى عليه القبض لا محالة، فلم تجد الزوجة بدا من مقايضة خلاص الزوج بإشراع محرابها للرئيس على امتداد أسبوع إلى أن كان ما كان...
وجدتُ مكتبه مكتظا بالمعلمين، ما أن رآني الجمع حتى ارتمى علي يعانقني، كان هو أوَّلُ من حياني طبعا بالحفاوة نفسها: - هو ذا قد جاء هو ذا قد جاء، عمره طويل ! عمره طويل !
سألوني عن صحتي، وحالتي مع المرض. - كل شيء على ما يرام، عوفيتُ وقررت قطع الإجازة واستئناف الدروس - لا، لا، يجب أن تتمتع بأيام النقاهة كاملة امتثالا لأوامر الطبيب، ثم نحن وزعنا التلاميذ على أقسامنا..
دقَّ الجرس، انفضَّ المعلمون من حوله، أغلقتُ باب المكتب، ثم أخرجتُ إحليلي، وقلتُ له: - اسمع يا هذا ! والله إن تحُمْ حولي مُجدَّدا لأعبثن بإستك!
بُهتَ، انتابه الهلع؛ قال: - ولكن...
قاطعته بفظاظة منعا لأي تفاوض أو تفسير: - أنا لا أعرف لا «ولكن»، ولا «حتى» ولا «كأن» ولا «يحزنون»...
ثم أوصدتُ باب المكتب إلى أن سُمعتْ رجَّته من جميع الأقسام، وخرجتُ. والحق أنني سأظل مدينا للمرأة المكتنزة بالراحة الأبدية مع المؤسسة؛ منذ ذلك اليوم صار المديرُ يتحاشى اختلائي به في المكتب؛ كلما احتجتُ ورقة إدارية أو أردت التحدث معه في شأن يهم التلاميذ أو الفصل إلا ودعا شخصا ثالثا؛ معلما أو معلمة، ليكون شاهدا على ما قد يصدر مني. أكثر من ذلك صار يُشعرني بقدوم المفتش بأيام فأستعدّ وأحرز على النقط العليا، وصرتُ أحضر وأغيب متى طاب لي، وهو ما أراحني كثيرا، لأنني على المذهب القائل: «الحكومة تتظاهر بأنها تؤدي لنا راتبا ونحن نتظاهر بأننا نعمل»، بل وصرتُ المعلم الوحيد الذي يستقبل عشيقاته في الفصل الدراسي، فتزورني جماعة من البنات، وأترك واحدة تحرس التلميذ وأصطحب الباقي إلى المنزل، فندخن ونستمع إلى الموسيقى، ونتأرجح ونسجد في المحراب ونقطف الزهور، إلى أن يوشك جرس المدرسة على الدق فنغادر المنزل لاصطحاب الصديقة الأخرى. وأنا على يقين تام بأنني سأظل أتمتع بهذا الوضع الاعتباري إلى أن يتقاعد المدير أو ينتقل لمؤسسة أخرى، وذلك بخلاف باقي المعلمين الذين لا ينالون من عشيقاتهن داخل الفصول إلا القبلات المسروقة؛ يأمرُ المعلم التلاميذ بإغماض أعينهم، فيرتمي على حبيبته ليأخذ ثلاث قبلات أو أربعة ولمسة أو لمستي نهدين إلى ثلاثة لا غير...
نعم، هذا هو الربح الأكبر الوحيد الذي يُكفر لي الخطأ الأعظم الذي أجهدتُ نفسي في تداركه منذ خروجي من مكتب المدير: خطأ وضع المرأة المكتنزة والمدير، في آن واحد، أمام إغراء جاذبية المحظور: بدأت زلتي العُظمى منذ أبديتُ لها تشككاتي يوم سلمتْه شهادتي الطبيبة وسألتها عما إذا كان المدير قد ضاجعها؛ فهي من صنف النساء الذي بمقدار منعك عنه الشيء يُمعنُ في ارتكابه. ومن يدري؟ فربما لم تكن المغازلات التي دارت بينهما أو قطف الزهرة في المكتب لاتعدو مجرَّد وهم من تخيّلي، وأنني بإبداء شكوكي إنما فتحتُ عينيها على وجود شخص اسمه المدير؟ كان يتعين عليَّ أن أجاريها في قولها، فأزعم بأن المدير إنسان «خلوق» و«لطيف» و«في غاية الطيبوبة» لتنفر منه وتمحوه من ذاكرتها إمعانا في معارضتي.
لم أفهم هذا إلا في وقت متأخر، وهو ما صممتُ على استدراكه بمجرد ما تكلمني الليلة. رنَّ الهاتف، وصل صوتها جميلا ساحرا مغناجا مثل أغنية هادئة. أما راؤها المنكسرة على طريقة نطق معظم أهل فاس، فقد أبدتها أصغر من سنها بحوالي عشرين عاما، ازددتُ تعلقا بها أكثر من أي وقت مضى. اعتذرتُ لها كثيرا عما صدر مني، قالت: - كل ذلك عادي جدا ولا يستحق الوقوف، ثم لا تنس أنني صفوحة!
توقعتُ أن يكون اقتراحي مفاجأة ستفرحها كثيرا: - اسمعي! ذهبتُ للمدرسة مباشرة بعد انصرافك وتحدثنا مطولا (المدير وأنا عنك)، فوجدته يهذي بجمالك وحسن خلقك، فوعدته بتقديمك له مُجدَّدا. ولأجل ذلك فإني دعوته للعشاء معنا الليلة، وحيث إن أمي مرضتْ اليوم، فربما سافرتُ قبل منتصف الليل إلى مراكش، سأسافر وأترك لكما حرية التصرف بالمنزل!
اعترضت بلطف شديد: - لا، لا، أبدا، أبدا! - متى ستعود من مراكش؟ - ليس بعد 48 ساعة - وإذن توقع مني مفاجأة جميلة بعد عودتك! حبيبي، باي باي !
ثم أمطرتني بسيل من القبل العميقة اللذيذة عبر الخط. جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمرأه من سلاله الشياطين .... الجزء الثالث عشر المصدر : منتدى كل العرب
|
|