خلافة بني آدم في الأرض :
قال الله تعالى: {واذْ قالَ ربّكَ للملائكة اني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعلُ فيها
من يفسدُ فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال اني أعلم ما لا تعلمون
(30)} [سورة البقرة].
هذه الآية تخبر أن الله قضى على آدم وبنيه باستخلاف الأرض لعمارتها والانتفاع بما
أودعه فيها من نبات وحيوان ومعادن ويتولى بعضهم على بعض بالحكم وغير ذلك.
وقد أخبر الله الملائكة وأعلمهم أنه سيجعل بني آدم خليفة في الأرض يسعون فيها
ويمشون في مناكبها وينتشر نسلهم في أرجائها، ويأكلون من نباتها ويستخرجون
الخيرات من باطنها ويخلف بعضهم بعضاً فيها. فسألت الملائكة ربها للاستكشاف عن
الحكمة في جعله خليفة في الأرض لا للاعتراض على الله وقالت: {أتجعل فيها من
يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك(30)} [سورة البقرة] أي نحن
نعبدك دائماً ولا يعصيك منا أحد .
فبيّن الله للملائكة الحكمة من جعل بني آدم خليفة في الأرض وهو أن البشر وان كان
فيهم من يسفك الدماء ويفسد في الأرض، لكن منهم الأنبياء والأولياء، ونصب لهم دليلاً
على فضل آدم أن علمه أسماء كل شىء فتفوق على الملائكة بذلك وقال الله لآدم:
{أنْبِئهم بأسمائهم(33)} [سورة البقرة] فصار آدم يقول لهم هذا اسمه كذا هذا اسمه
كذا فعرفوا أن هذا الجنس أفضل منهم .
قال الله تعالى: {فتلقّى آدم من ربه كلماتٍ فتاب عليه انّهُ هوَ التواب الرحيم(37)}
[سورة البقرة]، وروي عن مجاهد قال: "الكلمات: اللهم لا اله إلا أنت سبحانك
وبحمدك، رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي انك خير الراحمين ،
لا اله الا أنت التواب الرحيم"، وروى البيهقي بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما اقترف سيدنا آدم الخطيئة قال: "يا
ربِّ أسألك بحق محمد الا ما غفرت لي، فقال الله: فكيف عرفت محمداً ولم أخلقه بعد؟
فقال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك ونفخت فيّ من روحك (2)، رفعتُ رأسي
فرأيت على قوائم العرش مكتوباً لا اله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنك لم تضف
إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك"، قال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من
هذا الوجه وهو ضعيف، ورواه الحاكم وصححه.
تنبيه: لا يقال طرد الله آدم من الجنة لأن هذا اللفظ فيه تحقير لسيدنا آدم بل يُقال أهبِط كما يفيد نص القرءان.
مدة إقامة آدم عليه السلام في الجنة :
واليوم الذي خرج فيه من الجنة
اختلفت العلماء في مقدار مقام آدم عليه السلام في الجنة فروى الحاكم في مستدركه أن
آدم لم يمكث في الجنة إلا ما بين العصر إلى الغروب، والأقوى أنه مكث مائة وثلاثين
سنة. ولا ينافي هذا بالنسبة لتلك الأيام الستة أن يكون أدرك فيها مائة وثلاثين عاماً ثم
أكمل الألف في الأرض كما يفهم ذلك من بعض الآثار.
وقد ورد أن اليوم الذي أخرج فيه آدم عليه السلام من الجنة وهبط فيه الى الأرض
كان يوم الجمعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: "خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أخرج
منها" رواه مسلم، ورواه أحمد بنحوه.
مكان نزول آدم عليه السلام على الأرض
أمر الله سيدناآدم وحواء بالهبوط من الجنة الى الأرض، وأمر إبليس بالهبوط إليها
أيضاً، وأخبرهما أن العداوة بينهما وبين إبليس اللعين ستظل قائمة وبالتالي ستكون بين
إبليس وبني آدم قال الله تعالى: {وقُلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدوٌ ولكم في الأرض
مستقرٌ ومتاعٌ إلى حين(36)} فيروى أن آدم عليه السلام نزل في أرض الهند في
أرض تسمى سرنديب على أشهر الأقوال، ونزلت حواء عليها السلام في أرض أخرى
قيل انّها جُدة، فجاء سيدنا آدم في طلبها حتى أتى جمعا فازدلفت (3) اليه حواء فلذلك
سميت المزدلفة وهي بين مكة وعرفة، وقيل إنهما تعارفا في عرفات لذلك سميت
عرفات، وأما إبليس اللعين فقيل انه نزل بالأبُلة أرض في العراق .
فائدة: قيل ان أطيب بقعة في الأرض ريحاً الأرض التي أهبط بها آدم فعلق بشجرها
من ريح الجنة، قيل ان تلك الأرض التي نزل بها آدم من أصح بلاد الأرض فناسبت
أن تكون موطنه لكونه قريب عهد بالجنة.
بناء البيت الحرام :
أمر الله آدم عليه السلام أن يبني البيت الحرام فقدم مكة وبنى البيت من خمسة أجبُلٍ:
من طور سيناء، وطور زيتي، ولبنان، والجودي، وبنى قواعده من حراء، فلما فرغ
من بنائه أرسل الله له ملكاً علمه المناسك، ثم بقي كذلك حتى أغرق الله قوم نوح عليه
السلام فرُفع البيت وبقي أساسه فجاء سيدنا ابراهيم عليه السلام فبناه.
موت سيدنا آدم وحواء عليهما السلام :
{ عاش سيدنا آدم عليه السلام ألف سنة قيل: قضى منها مائة وثلاثين سنة في الجنة
وبقية الألف عاشها على هذه الأرض التي نزل اليها، ولما مات بقيت ذريته على دين
الإسلام يعبدون الله تعالى وحده ولم يشركوا به شيئاً ، { فعاش البشر ألف سنة أخرى
على دين الإسلام }. ولم يكن فيهم كفر ولا شرك وإنما حصل الكفر والشرك بعد
نبي الله إدريس عليه الصلاة والسلام {{ فكان سيدنا نوح عليه السلام أول نبي بعث الى
الكفار }}.
وقد ورد في الأثر أن آدم عليه السلام دفن في مكة أو في منى قرب مسجد الخيف
حيث دفن سبعون نبياً، وقبورهم مخفاة ولا يوجد علامات تدل عليها، وقيل دفن عند
الجبل الذي أهبط عنده في الهند، وقيل بجبل أبي قبيس بمكة .
والله أعلم .
ويروى أن زوجه حواء عليها السلام عاشت بعد سيدنا آدم عليه السلام سنة ثم ماتت ويقال أنها دفنت في جدة
موضوع مختار من إحدى المواقع المحمولة على متن السفينة ( بتصرف )