هكذا أرى
هل أنت صادق مع نفسك؟
جليلة السيد عبدالله:جاء في الأثر (أصدق الصدق، الصدق مع النفس) هل أنت صادق مع نفسك؟ كيف تكتشف ذلك؟ وهل يمكن أن يخدع الإنسان نفسه؟ وهل تقبل من صاحبها الاحتيال والمراوغة؟ هل سياسة الاحتيال وسيلة مشروعة؟ من الذي يلجأ للكذب؟ هل أسلوب الاحتيال يُحقق سلاما وسعادة للنفس؟ أم انه اعتداء وتجنٍ على ذات الفرد وكيانه المحترم؟ لماذا نضطر أن نتظاهر بالحب أمام الآخرين وهل نحن مجبورون على ذلك؟.
لا يمكن معرفة صدق النفس وكذبها إلا بالتجربة والممارسة فهي أفضل برهان على ذلك، ضع نفسك في مواقف متعددة واختبر فيها نفسك، هل تُفضّل مصلحة الآخرين على مصلحتك، أم العكس؟ هل المبادئ والقيم هي الغالبة أم النفس وأهواؤها؟
يقول الإمام علي (ع) (ما أخفى امرؤ شيئا إلا ظهر على فلتات لسانه أو قسمات وجهه) إن الصدق أهم أنواع الشرف، والكذب تزوير للحقيقة أمام النفس، الإنسان الصادق لا يختلق الصدق ولا يتصنعه فهو جزء من طبيعته وفطرته، ولا يكون الإنسان صادقا مع ربه إلا إذا كان صادقا مع نفسه.
يقول الفيلسوف الأميركي مايكل نوفاك ''لا حدود معروفة لقدرة الإنسان على خداع نفسه''. كما يقال أيضاً ''إن أقدم وأسوأ أشكال الخديعة هو أَنْ نخدع أنفسنا''.
وحسب علم النفس، فإن خداع النفس (Self Deception) هو ''تلك الطريقة التي نتبعها لتضليل أنفسنا بغرض قبول ما هو زائف أو غير موجود على أنه حقيقي. وهو باختصار طريقنا لتبرير المعتقدات الخاطئة''.
إن من دواعي الكذب المصلحة والحصول على الربح السريع أو الوفير ولجلب عطف ورحمة وحنان وحماية الآخرين بطرق وأشكال عدة.
إن الفرد الذي يتصرف هذا التصرف يعيش تناقضا وتضاربا في الحياة، يعيش بصورتين الأولى مخفية أو غائبة، وهي التي تُمثّل هويته الحقيقية، في حين أن الثانية وهي الظاهرة والتي يحاول الفرد أن تكون جذّابة وجميلة دائما لتحتال على الآخرين.
وهذه بعض الأمثلة من واقع حياتنا، عندما يتأخر الموظف عن عمله، ويتظاهر بأن لديه عذراً مقبولاً، عندما يقدّم المعلم درسه للطلاب من دون أن يعطيه حقه من الشرح والاستيفاء، ولا أعتقد أن المعلم يكون صادقاً مع نفسه حينما يقتطع جزءاً كبيراً من حصته ليقضي فيها أعماله الخاصة طبعاً مستخدما النقال في ذلك، وحينما يتظاهر المعلم بتقديم حصة نموذجية لطلابه أمام بعض الضيوف أو اللجان التي تأتي لزيارة بعض المدارس، حتى طلابنا فطنوا لهذه الظاهرة، ولاحظوا بعض الممارسات التي تفتقد الصدق من قبل بعض المعلمين الذين من اللائق أن يكونوا قدوة لأبنائنا التلاميذ وتعليمهم القيم الأصيلة والمبادئ النبيلة كالصدق مع النفس والصراحة والوضوح مع الآخر، والابتعاد عن الغش والخداع والمراوغة في الكلام واتباع أسلوب اللف والدوران.
إذا افتقد الطالب قيمة الصدق والصراحة مع الآخر تجده يخفي الحقيقة عن والديه وعن معلميه، لا يقول الصدق إن ارتكب خطأ، ولا يعترف بالحقيقة إذا واجهه أحد بها، يمارس بعض السلوكيات الحسنة أمام الوالدين، ولكن إذا اختلى مع القنوات الفضائية أو انفرد بشبكة الانترنت أو ابتعد عن معلمه فإنه ينقلب رأسا على عقب ضاربا عرض الحائط قيمة الصدق ورقابة الضمير، ومتحولاً إلى فرد آخر.
ما أجمل أن نربي أبناءنا على فضيلة الصدق، أن يقول الصدق في كل مكان وفي كل وقت ومع كل شخص، من غير خوف أو رهبة. لا يخفي الحقيقة عن أحد، ولا يتوارى خلف الأستار والحجب معتقدا أن الحقيقة تُخفى، فالأيام تكشف للفرد حقيقة ما يُخفي، وقبل كل شيء يعلم الفرد حقيقة ما يخفي وعدم رضاه عن نفسه.
وعندما يتظاهر الحكام والساسة بانتهاج سياسة أكثر ديمقراطية وعدالة وهي في الواقع ديمقراطية جوفاء، تفتقد إلى المشاركة الشعبية والتمثيل الحقيقي للشعب. في حين أنهم يجب أن يكونوا أكثر شفافية ويلتزموا بمسؤولياتهم تجاه شعوبهم، ومن اللائق بتجّارنا أن يلزموا الصدق في معاملاتهم بعيدا عن الغش وإنقاص الناس حقوقهم رغبة في ربح سريع أو مكسب كبير.
إن المحتال يفتقد الراحة والطمأنينة لأنه يصرف طاقة نفسية كبيرة في الاحتيال والمراوغة كان بإمكانه توجيهها في أعمال أكثر نفعاً وفائدة للمجتمع.
كثيراً ما يُوّجه الإنسان أصابع الاتهام إلى الآخر وهو يعلم في قرارة نفسه أنه هو المسؤول الأول عن الخطأ، فلا يعرف أحد نفسه بمقدار نفسه، فمهما احتال الإنسان على نفسه، وحاول خداعها، فلا يمكن أن يخفي الحقيقة ويدوس الحق، إنه يعلم علم اليقين أين يكمن الحق وأين تكون الحقيقة.
هناك شريحة من الناس تعيش تناقضاً نفسياً فهي تظهر بمظهر يختلف عن المظهر الخارجي، تتظاهر بالصحة ولكن الغاية فاسدة، يتكلمون كلاما جميلاً، ولكنّ وراء هذا الكلام باطلا، الظاهر جميل، ولكن النفس مشحونة بالآفات والكدورات.
أصبحنا نعيش في زمن الخداع والشك والريبة، يتوجس الناس من بعضهم البعض، لأن الكذب والاحتيال أصبح سمة من سمات هذا العصر، وباتت الناس تفتقد الصدق في حياتها.
إن انعدام الصدق مدعاة لانعدام المحبة والمودة والتواصل والتكافل، فكيف يمكن أن نتواصل ونتصالح ونحن نتعامل بوجهين ولسانين، نتظاهر بالمحبة وقلوبنا مشحونة حقداً، ونظهر التعاطف والمصالحة، ونخفي المكر والخديعة.