وصف أم معبد لحضرة النبي صلي الله عليه وسلم
..........................................................................
حين مر عليها فى هجرته المباركة إلى المدينة المنورة
قال الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الملك المشهور بأبن القيم الجوزية ، من ائمة الحنابلة
المشهور لهم بالعلم الغزير والفضل الكبير ،، المتوفى عام 751، قال فى كتابه زاد المعاد صفحة 307 الجزء
الأول : فصل ، ثم مر فى مسيره ذلك حتى مر بخيمتى أم معبد (1) الخزاعية ، وكانت أمرأة برزة (2) جلة
تحتبى بفناء الخيمة ، ثم تطعم وتسقى من مر بها، فسألاها (3) : هل عندك شئ ؟ فقالت والله فو كان
عندنا شئ ما أعوزكم (4) القرى والشاء عازب (5) وكانت سنة شهباء (6) ، فنظر رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى شاة فى كسر (7) الخيمة ، فقال ما هذه الشاة يا أم معبد ؟ قالت شاة خلفها الجهد (
عن الغنم
، فقال : هل بها من لبن ؟ قالت : هى أجهد من ذلك ، فقال : أتأذنين لى أن أجلها ؟ قالت نعم بأبى وأمى إن
رأيت بها حلبا فاحلبها ، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده ضرعها وسمى الله ودعا ، فتفاجت (9)
عليه ودرت ، فدعا بإناء لها يربض (10) الرهط ، فحلب فيه حت علته الرغوة ، فسقاها فشربت حتى رويت وسقى
اصحابه حتى رووا ، ثم شرب وحلب فيه ثانيا ختى ملأ الاناء ، ثم غادروه عندها فارتحلو ، فقاما لبثت أن جاء زوجها
أبو معبد يسوق أعنزا عجافا (11) يتساوكن هزالا ، فلما رأى اللبن عجب فقال من أبن لك هذا والشاه عازب ولا حلوبة
فى البيت ؟ فقالت لا والله ! إلا أنه مر بنا رجل مبارك كتن من حديثه كسيت وكسيت ، ومن حاله كذا وكذا ، قال والله
إنى لأ راه صاحب قريش (12) الذى تطلبه ، صفية لى يا أم معبد ، قالت : ظاهر الوضاء’ (13) ابلج الوجه (14) حسن
الخلق ، لم تعبه نحل’ (15) ولم تزر به صعلة (16) وسيم (17) قسيم ، فى عينيه دعج (18) وفى أشقاره (19) وطف
، وفى صوته صحل (20) وفى عنقه سطع (21) ، أحور (22) أكحل ، أزج (23) اقرن ، شديد سواد الشعر ، إذا صمت
علاه الوقار ، وإن تكلم علاه البهاء أجمل الناس وأبهاعم من بعيد وأحسنهم وأحلاهم من قريب ، حلو المنطق فصل
(24) لا نزر ولا هذر ، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن ربعه (25) لا تقحمه عين من قصر ، ولا تشنؤه من طول ، غصن
بين غصنين (26) فهو أنضر الثلاثة منظرا وأحسنهم قدرا ، له رفقاء يحفون به إذا قال استمعوا لقوله ، وغذا أمر تبادروا
إلى أمره ، محفود (27) محشود ، لا عابس ولا مفند(28) ، فقال أبو معبد : والله هذا صاحب قريش الذى ذكروا من أمره
ماذكروا ، لقد هممت أن أصحبه (29) ولأ فعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا .
(1) أم معبد الخزاعية إسمها عاتكة ، وكان منزلها بالقرب من المدينة (2) البرزة التى لا تحتجب عن الناس والجلدة
الشديدة القوية (3) فسألاها يعنى النبى صلى الله عليه وسلم وصاحبه ابا بكر رضى الله عنه (4) ما أعوزكم القرى
يعنى ما احتجم إلى طلب الطعام (5) والشاء عازب هى التى تعذب أى تبعد عن أهلها فى المرعى (6) سنة شهباء ،
سنة جدب وقحط وكانت الريح تثير التراب فسميت عام الرمادة (7) فى كسر الخيمة فى ناحية منها (
خلفها الجهد
يعنى لم تطلق للحاق بالغنم لضعفها وهزالها (9) فتفاجت يعنى فتحت رجليها للحلب (10) يربض الرهط يعنى يكفى
ويروى الرهط والرهط من الثلاثة إلى العشرة أو من التسعة إلى الأربعين (11) عجاف جمع عجفاء وهى الضعيفة الشديدة
الهزل ويتساوكن من التساوى وهو السير الضعيف (12) صاحب قريش يعنى النبى صلى الله عليه وسلم التى تطلبه لتقتله
وكانت قريش أرسلت إلى طلبه حين هاجر من الصديق فعصمه الله وصاحبه حتى وصلا المدينة بسلام (13) ظاهر الوضاءة
واضح الاشراق فى جميع منظره (14) أبلج الوجه ذو وجه مشرق جميل (15) التجلة عظيم البطن مع أسترخاء فيه (16)
الصعلة دقة الرأس والعنق مع خلو الرأس من الشعر (17) وسيم قسيم أى حسن جميل (18) الدعج شدة سواد الأسود
فى شدة بياض البيض ( 19) الاشفار شعر الجفون والوطف الطول والمعنى فى شعر الأجفان طول (20) الصحل بحة فى
الصوت والمقصود ليس حاد الصوت يزعج سامعه (21) السطع النور والبهاء وزاد فى السيرة الحلبية : وفى لحيته كثاثة أى
لا طويل ولا دقيقة (22) الحور أن يشتد بياض بياض العين وسواد سوادها وتسدير حدقتها وترق جفونها فى بياض الجسدوالكحل
أن يعلو منابت الأشفار سواد خلقى وأن تسود مواضع الكحل (23) الأزج الدقيق طرف الحاجب والأقرن المقرون الحاجبين (24)
المنطق الفصل الذى يفرق بين الحق والباطل والمقصود أن كلامه يقبله من سمعه (25) ربعه لا هو بالطويل ولا بالقصر ولا
تقحمه لا تتجاوزه إلى غيره ولا تشنؤه ولا تبغضه (26) غصن بين غصنين وخي الأمور الوسط لاسمين ولا نحيف وكله حياة
ونشاط (27) محفود مخدوم ومحشود له حشد جماعة يحفون به ويلزمونه فى روحاته وغدواته (28) لا عابس ولا مفند
العبوسة ضد البشاشة والمفند الذى يكثر لوم الناس وال1ى يخطأ فى رأيه والمقصود أنه برئ من الغلظة والفظاظة ( 29 )
قال أبن الجوزى إن أم معبد هاجرت وأسلمت فهى صحابية وإن زوجها هاجر وأسلم فهو صحابى رضى الله عنهما ، وكان
أهلهما يؤرخون بيوم نزول الرجل المبارك صلى الله عليه وسلم .