جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمرأه من سلاله الشياطين ..... الجزء الحادى عشر الجمعة 23 يوليو 2010, 11:27 am | |
|
امرأة من سلالة الشياطيـن القسـم الحادي عشـر
ساد السيارة صمتٌ مقلق؛ لا موسيقى ولا تبادل كلمات؛ كأن العجوز والسائق كانا صائمين عن الكلام أو بصدد تنفيذ مؤامرة ضدي تعاهدا على عدم الإفشاء بتفاصيلها لأي أحد غيرهما والزوجة طبعا التي كانت قد سلمت لزوجها قبل خروجنا ورقة صغيرة حرصتْ على تحريرها بمنتهى السرية، ثم طوتها بعناية ووضعتها في أحد جيوبه. خامرتني شكوك عظمى في شأن تلك الورقة، خمتُ أنها قنبلة ستنفجرُ، وسيكون انفجارها من القوة بحيث تصل أشلاء جسدي إلى مأدبات النميمة والتشفي ومجالسهما في كافة ربوع الوطن.
في البداية تخيلتُ أن وجهة السيارة هي الإدارة العامة للأمن الوطني نفسها، لعظم القضية وكبر الموقع الاجتماعي الذي يحتله العجوز؛ فهو صاحب مركز اجتماعي مرموق دون شك، وربما ذو جاه ونفوذ. هممتُ مرارا بوضع حد للمأساة بإخبار الزوج بالحقيقة كاملة؛ وددتُ أن أقول له: - اسمع يا سيدي! لا داعي لتقديمي للشرطة؛ فأنا لستُ ظنينا؛ زوجتك هي التي راودتني، الجميع يعرف استقامتي مع البنات والنساء وصيامي الدهر عن النساء المتزوجات والبنات العازبات. أنت رجل طيب، ولكن زوجتك شيطانة خائنة مُمعنة في تدنيس عرضك وشرفك... إليك تفاصيل القصة كاملة كي تكون على بينة مما تفعل..
ولكن حضور السائق جعل كلامي مستحيلا. ذات لحظة راودتني، والله، فكرة أن أنحني على أذن العجوز وأهمس فيها بالحقيقة كاملة، لكن في اللحظة التي تأهبتُ للاقتراب من الزوج حاصرتني نظرات السائق في المرآة، فعدلتُ عن الأمر..
في أحد مفترقات طرق شارع النصر، انعطفت السيارة شمالا، ثم رست. وها نحنُ في سوق العكاري، اغتنمتُ بقاءَ السائق داخل السيارة واحتشاد الأجساد في السوق، اختلستُ من جيب العجوز الورقة السرية، فإذا بها تتضمن وصفتين أو ثلاثا في كيفية تحضير بعض وجبات الطعام. هدأ خاطري، عرفتُ سبب نزولنا هنا؛ للتبضع لا غير، ربما استضافت المرأة المكتنزة زوجها لقضاء اليوم معنا.
ذكرني الموقف بالحكايات الكثيرة عن الرجال الذين يسوقون غرباء إلى نسائهم، فيخرج الزوج والغريب إلى السوق، حيث يتولى هذا الإنفاق مقابل تنازل ذاك عن ربة البيت ليلة كاملة، أو أكثر، إكراما للضيف. اتجهت إلى أقرب شباك أوتوماتيكي، سحبت 1000 درهما (حوالي 100 دولارا) هي كل ما تبقى في حسابي، تحسبا لأن يطلب مني العجوز تسديد مشترياته من الخضر والفواكه واللحوم، لكنه استعظم ذلك، فاضطررتُ للاحتفاظ بنقوذي واقترحتُ نفسي للقيام بدور الحمَّال عن طيب خاطر، وهو ما كان. من حشد المتسوقين، خرجت امرأتان جميلتان مكشوفتا الصدر والفخذين والبطنين، مما يدل على موقعهما الاجتماعي الراقي، ثم سألتا العجوز عن زوجته: - كيف حال الشريفة؟ لماذا ليست هي الآن معك، وهي التي ترافقك مثل ظلك؟ - بخير، هي الآن مسافرة في مهمة طارئة للمساهمة في لجنة صياغة قانون نسوي جديد. - أعطاها الله الصحة والعافية، حضورها هام وضروري ويطمئننا كثيرا، لأنها تجيد الدفاع عنا دائما. متى ستعود؟ - والله لا أعرف، هي قالت إنها لا تعرف كم ستستغرق هذه الندوة، ولكني لا أظن أنها ستتجاوز أسبوعا. قال الرجل، ثم حيا المرأتين، وهو يعدهما بإبلاغ تحياياهما لزوجته.
اطمأن قلبي، أخذت الكوابيس تتبدد، توارت صور مكاتب الشرطة والاستنطاقات المقبلة، خمنتُ أنها لن تكون وجهتنا أبدا، صَدَق تخميني؛ ما مضت بضع دقائق عن خروجنا من السوق حتى كنا في إقامة فاخرة بضواحي فندق هلتون، في حي السويسي الراقي.
اسكثرتُ وجودي في تلك الإقامة الفخمة التي امتدت أمامها مساحة تقدر بحوالي هكتار من الأعشاب والأشجار ومسبح رومانسي المياه. في مرفأ السيارات، كانت سيارة أخرى جميلة راسية؛ فولزفاكن كابيرولا حمراء، مثل سمكة ناعمة، لها غطاء أسود قابل للإزالة في فصل الصيف. عرفتُ للتو أنها سيارة المرأة المكتنزة، تمنيتُ أن أسوق هذه السيارة وهي بجانبي.
خصني العجوز بحفاوة كبرى، حيث أجلسني في صالون فخم، قبالة تلفاز ذي شاشة عملاقة، ووضع أمامي مجموعة من الصحف والمجلات وعلبة سجائر وقهوة سوداء، بل وساق لي كريمته سهام وقدمني لها باعتباري «طانطو»ها (عمّها)، ثم اختفى في المطبخ لتحضير وجبة أكل. أدركتُ قيمتي؛ حدستُ أن الرَّجُل أعنّ، وقدرتُ أنه يشتري الآن ودِّي لسقوط زوجته في شرك حُبي بعد أن أغذقت عليها من خزائن مزني. ها هو جعل مني عما لطفليه، وربما سيدعوني للإقامة هنا، حيث أتكفل سريا بزوجته، أي أكون زوجها الفعلي، فيما يتكفل بها هو علنا ويلعب دور الزوج - الواجهة. تبدد خوفي دفعة واحدة، أحسستُ بأنني رجلا عظيما، ذا شأن كبير، لعنتُ نصيبي من هذه القسمة الضيزى للحظ؛ وهبَ الله فولا لمن لا ضرس له. استعظمتُ أن أنزَل هذه المنزلة من لدن العجوز، أمطرته باللعنات في خاطري لأنه أذبل زهرة زوجته الصغيرة ولم يوف محرباها حقه من العبادة والسجود. تفهَّمتُ خيانة زوجته إياه، بل وأحسستُ بأنني أستحق أجرا عظيما عن إحساني إليها.
فيما كان الزوج يطهو الطعام استسلمتُ لأحلام جميلة حلقت بي في السماوات العليا، ورحتُ أخطط للإطاحة بالعجوز؛ بمجرد ما سأعود للمنزل سأغرق زوجته بالقبل والعناق الحنون، وأمعن في إغذاق خزائن الملذات عليها إلى أن تجدد فروض الطاعة والولاء وتعبر عن أمنية البقاء معي طول الحياة، كما فعلت في الليلة الأولى. آنذاك، سأخيرها بين أمرين لا ثالث لهما: - اسمعي يا حبيبتي! أنا لستٌُ بالهين الشأن بحيث أرضى بدور الرجل المستتر؛ إما تطلقي العجوز وتتزوجيني رسميا أو أنسحب من حياتك ! - كيف؟ ! لا، لا، أبدا، أبدا؛ فهو أبٌ، ووجوده في المنزل ضروري... - وأنا، ألستُ أهلا للاضطلاع بمهمة الأب؟! - ليس الأمر بالسهولة التي تتصور، ثم لا تنس أنه صاحب أملاك وعقارات... - لقد أعطتكن مدونة الأحوال الشخصية حق اقتسام ترواث أزواجكن بعد الطلاق. - ولكنه رجل طيب ولطيف، ولا يرفض لي أي طلب، ومن ثمة لا مبرر إطلاقا لمطالبته بالطلاق، لو فعلتُ أكون كأني ارتكبتُ جريمة عظمى... - ضعيه في موقف يُرغمُه على طلب الطلاق. - كيف؟ - افرضي عليه، مثلا، أن ننام في سرير واحد؛ أنت وأنا وهو، فأشهر صومعتي في وجهه وأسجد في محرابك وهو ينظر بأم عينيه... - طيب، دع لي مهلة للتفكير.
أثناء تفكيرها سأحشد من الدواعي ما يجعلها تطلب الطلاق لا محالة؛ سأذهب لأمهات كتب الفقه والتفسير وأبرهن لها على أن ما تقوم به حرام، وسأسوق لها كتب أهوال القبور ووصف القيامة وعذاب النار، وستخاف وتطلب الطلاق.
في انتظار الطلاق، ها هو رقمي يطلع رابحا، كما قالت أخت ليلى.. لأول مرة في حياتي، سأضع أصبعي على أي نقطة في خريطة المغرب، وأقول: كن فيكون. سننطلق أنا وإياها لا غير، في الكابريولا الحمراء الساحرة مثل سمكة، نحو شواطئ أكادير والسعيدية، وننزل إلى صحراء ورزازات، ومنها نتجه إلى صحراء تافيلالت، فنقضي ليالي ساحرة في أجمل فنادق آرفود...
أثناء تناول وجبة الغذاء، بدا لي العجوز رجلا عاديا جدا؛ اختفت الهالة التي كنتُ احطته بها، وبدا لي أنني ارتكبتُ حماقات وسخافات عديدة عندما أصابني الخوف الشديد منه، بل قهقهتُ ضاحكا عندما تذكرتُ صراخي ليلة أمس بكلمة «ماما ماما» تحت وطأة الحلم المرعب. أما عندما تذكرتُ الكوابيس التي مضت بي إلى حد احتمال أن يكلف الزوج من يعبث بإستي انتقاما من مغامرتي مع زوجته، فإني وافقتُ على صواب قولها لي أكثر من مرة: - رأسك مليء بالأوساخ والقاذورات.
نعم، صدقتِ؛ والله إن رأسي لمليء بالأوساخ والقاذورات.
أخرجتُ العجوز من صمته، حاصرتُه بالأسئلة: ما اسم العطر الذي تتعطر به؟ أين تخيط بذلاتك؟ ما ماركة نظاراتك الشمسية؟ من أين اشتريت هذه الساعة اليدوية؟ وبكم؟ فأجاب عن أسئلتي جميعا وأنا فرحان لقرب احتلال مكانته، حيث سيتأتى لي التعطر بعطور ماركات عالمية، مثل كريستيان لا كروا وبول سميث ونيكل وسيلين ولانفان، ولباس بذلات خاطها فرانسيسكو سمالطو، ووضع ساعات يدوية من النوع الرفيع، مثل بريتلينغ وهيبلو وشوميه وشافهاوزن.. راودتني فكرة همز الرجل ولمزه بالسؤال: - أين زوجتك الآن؟ وما عنوان الندوة التي تشارك فيها؟ وكم بقي لها من يوم وتعود؟ ولكنني خشيتُ سوء عاقبة التسرع، فأجلت هذه الأسئلة وغيرها إلى وقت لاحق.
--------- يُتبَــع جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمرأه من سلاله الشياطين ..... الجزء الحادى عشر المصدر : منتدى كل العرب
|
|