جبل لبنان شاعر منتدى كــــــــــل العــــــــــــرب
عدد الرسائل : 512 العمر : 59 العمل/الترفيه : مراسل حربى _ صحفى تاريخ التسجيل : 21/12/2008
| موضوع: أمرأه من سلاله الشياطين ....الجزء العاشر الجمعة 23 يوليو 2010, 11:30 am | |
|
امرأة من سلالة الشياطيـن القسم العاشــر:
شغرتُ المقعد المواجه للعجوز، كي تجلس زوجته قبالته، بعد انتهائها من تحضير الفطور، فيما تنحيتُ جانبا، في أقصى معقد عند يمناه. انتابني خوف عظيم، لا سيما أنَّ عقلي الصغير عجز عن تفسير لغز «الهدية»؛ مدَّ الرجل إكليل الزهور، وهو يقول: - تفضـلا !
ثم حرص على عدم إطلاق الإكليل من يديه ما لم نستلمه معا، وهو ما كان. لم أعرف أكنتُ بطلا أتوَّجُ أم مُجرما بصدد اجتاز طقوس المقصلة، لذلك لم أقبِّل صاحب «الهدية» من الوجنتين وأشكره على نحو ما فعلت زوجته، طأطأتُ رأسي، ثم جلستُ، سعَلَ الرجلُ، حسبتُ سعلته تهيؤا للانقضاض عليَّ والانهيال عليَّ بالضَّـرب، قفزتُ من مَكاني استعدادا لحماية جسدي، تبادل الإثنان قهقهة بدت لي اصطناعية.
وهي تهيء الفطور، سألت زوجها من حين لآخر عن ولديهما؛ هل يقومان بالشغب؟ هل يحضران دروسهما كما ينبغي؟ هل يلازمان البيت أم يخرجان؟ من زارهما من الأصدقاء؟، الخ. وكانت نبرة أسئلتها تُبديها كسيِّدة تسأل صديقا عزيزا عن أبنائه أكثر مما تبديها أمّا منشغلة بأبنائها، بدتْ كأنها ليست زوجته.
كان الرجلُ يجيبها باقتضاب شديد وهو غارق في قراءة مجموعة من الصحف التي اصطحبها معه. هممتُ بأخذ صحيفة، لكنني خجلتُ؛ قد يقول: «لم يكتف بالتطاول على زوجتي، بل مدَّ يديه لصحفي وسَجائري!»، راودتني فكرة الاختفاء في المكتبة، لكني خفتُ أن يكون غيابي مناسبة حديثهما عني، ومن يدري؟ فربما يُدبِّران لي مكيدة. أحضرتُ جدادات تحضير الدروس بسرعة، والبطاقات الشخصية للتلاميذ، وتظاهرتُ بتهييء دروس التربية الفنية والرياضيات، بل وعبأت خانات ملاحظات مجموعة من البطاقات. مدَّ الرجل يده لبعضها، وتسلى (أو تظاهر؟) بالتفرس على صور التلاميذ التي تعتلي الركن الأعلى الأيمن لكل بطاقة، استوقفته إحداها، نادى زوجته: - ياه ! كم هي شبيهة بابنتنا سِهـام! والله إنها لنسخة طبق الأصل.
وافقته الزوجة معيدة كلامه مثل ببغاء، ثم عادت لتنهمك في إعداد وجبة الصباح... فطنتْ لنفاد الزبدة والشوكولاطة والجبن، اقترحتُ أن أخرجَ لإحضارها، اعترضتْ وقالت: - لا، اجلسا معا، أنا من ستتولى إحضارها
ثم مرقت خارج المنزل كالسهم لأجدني منفردا مع زوجها، وهو ما لم أتوقعه إطلاقا، فأحرى أن أتهيأ له. والحق أن غيابها، وإن لم يتعدى بضع دقائق، فإن ثقله كان علي بمثابة جبل، فخيل إليَّ أن الزمن توقف نهائيا؛ تمنيت لو خسفت بي الأرض، لا سيما أن زوجها، فور خروجها، ألقى ببطاقات التلاميذ والصحف جانبا، وأشعل سيجارة، ثم أخذ يدخِّن بشراهة، وهو يسرق النظر إليَّ من حين لآخر؛ لم أعرف إلى الأبد ما كانت تخفيه تلك النظرات؛ دارت برأسي أفكار وهلاوس وكوابيس شتى؛ تخيلتُ أن المرأة إنما أفلتت بجلدها؛ عادت لمنزلها وتركني بين يدي زوجها ليبطش بي كيف ما شاء. لعنتُ حظي المشؤوم، انتابتني غيرة من بائع تذاكر سفر حافلة الريصاني؛ حظه كان هبة ربانية؛ عندما أخرج حقائب سفر ثلاث نساء في محطة السفر بفاس تظاهرن بالعجز، فدعونه لاصطحابهن إلى المنزل لا لشيء سوى لتخفيف العبء عليهن، وما أدخل الرجل الحقيبة الأخيرة حتى وجد نفسه محاطا بهن جميعا وقد أغلقن الباب بمفتاح، فكنَّ له قطيع بقر على امتداد أيام سبعة أكرمنه فيها بألذ الأطباق وأشرعن له محاريبهن وأضرحتهن فسجد فيها موفيا العبادة حقها إلى أن كاد يُخبل، وفي اليوم السابع أخلين سبيله كأن شيئا لم يكن.
نعم، بئيس هو حظي. قد يقتلني الرجل الآن، لو خطط لذلك لن يتطلب منه الأمر أكثر من مد يده لأحد السكاكين أو المديات المتوفرة بكثرة في المطبخ؛ لا، قد يُحظر هذا الـ «نعيم» الذي حيرني حضوره مجددا في حديثهما قبل قليل دون أن أعرف من هو بالضبط. تجميعُ أشلاء الكلام عنه يتيح لي الظن بأنه رجل مفتول العضلات، قوي البنية، ربما يقيم معهما في البيت، قد يكون أخ للزوج أو أخا للزوجة؛ ماذا لو أراد العجوز عقابي بأن يدعو نعيما الآن فيكون ثمن هذه المغامرة هو تمزيق إستي؟ فمن الرجال من يستهون أن تخونه زوجته، لفرط حبه إياها وتمسكه بها، ولا يستهون إن يمدَّ رجلٌ يده إليها ولو كانت هي البادئة، ولذلك ينتقم أشد الانتقام من مدنس حرمته، وأشد أنواع العقاب العبث بمؤخرة من قطف زهرة زوجته.
تذكرتُ حكاية طالب مرسيليا الذي كان يعود في كل مساء بمبلغ من المال، فيدعو الأصدقاء إلى حانة، ويسقيهم الأنخاب، من جيبه، وكلما شكروه أجابهم: - بصحتكم وهنائكم يا أصدقائي، فما تشربون إلا مال شأني!
فتتعالى الضحكات، لكنه ذات يوم، وأمام انذهال الجميع، قال، ساخرا وقد اعتلى وجهه حزن ممتعض: - بصحكتم وهنائكم، فما تشربون اليوم إلا مال إستي!
وطفق يحكي تفاصيل الحادث المشؤوم؛ ما أن تجرد من ملابسه وتهيأ لاحتضان اللوطي حتى أخرج هذا مُسدَّسا وأرغمه على تقديم إسته، ففعل به ما كان همَّ هو أن يفعله به! طلع لوطيّ اليوم فاعلا لا مفعولا به! اقشعر لحمي، اصطكت أسناني بصوت مسموع، تحسستُ مؤخرتي. تذكرتُ كذلك حكاية بشار بن برد الذي أمطر امرأة متزوجة برسائل طلب الوصال، وهدَّدها بالهجاء إلى لم تلبي النداء، فأخبرت زوجها؛ ووضعا معا مقلبا للشاعر الضرير؛ وصل بشار إلى المنزل، أجلسته الزوجة وقالت له: ها لقد تجردتُ من ملابسي فضع يدك في ضريحي، فلما وضع يده وجد نفسه قابضا على إحليل زوجها وهو منتصب!
زاد في الطين بلة أنها لم تمنحني ولو رأس خيط صغير لتبديد خيوط الشكوك التي استبدت برأسي ليلة أمس، سألتها: - هل هو على علم بخيانتك إياه؟ - الخيانة؟ (مقطبة جبينيها) ماذا تقول؟ والله إن رأسك لملئ بالقاذورات والأوساخ ! زن كلامك، وانتق الكلمات جيدا قبل إطلاقها ! - قصدتُ هل أخبرته بأننا ننام في سرير واحد؟
بدا لها الجواب أبلد من أن يستحق جوابا، صفحتْ عن تصرفي «البليد» باحتضاني وإغراق وجهي بالقبلات، ثم ذوَّبتني تحتها ذوبانا قبل أن تركبني مُجددا في أرجوحتها، وأنا راكبٌ حاولتُ اختلاس جواب منها عن السؤال؛ فهي لحظة الانتشاء تتحول إلى سيدة أخرى، قالت: - أحمق أنت إن ظننتَ أنك أوقعتَ بي؛ دوَّختني حكاياتك عن البنات الصغيرات، ومقصورات القطار والحافلات، فأقسمتُ أن ألا يكون للحديث بقية بيني وبينك إلا هنا ! وها قد وفيت القسم حقه… أنا التي اصطدتُك..
ملأت صفحة المائدة بالصحون والأكواب، وخدمتنا مثل شغالة أمينة عادلة؛ مع أنها جلست قبالة زوجها، فإنها شملني باهتمام مماثل له، بل لم تفارق شفتها إطلاقا كلمة «أنتما»، فتقول: «كلا»، «اشربا»، «إليكما شهيوة أخرى»، الخ. حتى إذا فرغنا من الأكل وتهيأ الرجل للخروج، خاطبتْه، دون استئذاني: - خذه معك !
إلى أين؟ ولماذا؟ تساءلتُ سرا، وأنا ألفها بنظرة عتاب، تجاهلت عتابي، خرجتُ وأنا أتعثر في خطوي، أحسست بما كان يحس به أسير قبائل التوبينامبا عشية تقديم جسده مأدبة للقبيلة؛ بعد أسر يدوم عدة سنوات، تحين ليلة القتل؛ تقدَّم ألذ الأطباق للأسير وأجود الخمور، ويُمكَّنُ من أجمل النساء، يستمتع بهن بكامل الحرية وعلى الوجه الذي يطيب له، حتى إذا أشرق الصبح سيق دون جوان ليلة أمس إلى الساحة العمومية، حيث تحيط به العشيرة بكاملها، ويُحكم شدّ جسده من الوسط بحبل يمسك طرفيه أشخاص من دائرة الحشد المحيط به، ثم يُتخذ جسده مرمى للأسلحة البيضاء حتى إذا خرَّ، مزقوه تمزيقا وحضروا به ألذ الوجبات التي تقدم ليس لمجموع أفراد العشيرة، نساء ورجالا وكهولا وصبيانا فحسب، بل وكذلك للأقارب والضيوف الذين يحجّون من كل فج عميق خصيصا لهذا الحفل القرباني تلبية للدعوى القبيلة. -------- يُتبَــع جبل لبنان
الموضوع الأصلي : أمرأه من سلاله الشياطين ....الجزء العاشر المصدر : منتدى كل العرب
|
|