الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام
نسبها الشريف لفاطمة الزهراء صلوات الله عليها من جهة الأب أشرف نسب
وأقدسه، إذ هي بنت سيّد الأنبياء والمرسَلين، وأشرف الخلائق أجمعين،
المصطفى الصادق الأمين: محمّد بن عبدالله بن عبدالمطلّب ( شَيبة الحمد ) بن
هاشم ( عمرو العُلى ) بن عبد مَناف (المغيرة) بن قصيّ ( زيد ) بن كلاب بن
مُرّة... بن مُضَر بن نِزار بن مَعد بن عدنان. ومن جهة الأمّ هي بنت
الطاهرة التي نزل جبرئيل عليه السّلام يحمل إليها السّلام من عند الله
تعالى يقرأه على حبيبه ورسوله محمّدٍ صلّى الله عليه وآله، وهي بنت إحدى
خير النساء الأربع، وإحدى أفضل نساء الجنّة: مريم بنت عمران وآسية بنت
مزاحم امرآة فرعون، وفاطمة بنت محمّد صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وهي
سيّدتهنّ وسيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخِرين.. تلك التي قال فيها
رسول الله صلّى الله عليه وآله: واللهِ ما أبدلني الله خيراً منها: آمنت بي
إذ كفرَ الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس، وواسَتْني في مالها إذ حَرَمني
الناس، ورزقني الله منها أولاداً إذ حَرَمني أولاد النساء. وكان ممّا رَزقه
الله جلّ وعلا، بل خير ما رزقه: فاطمة الزهراء البتول سلام الله عليها.
وتلك هي خديجة.. واين مِثلُ خديجة ؟! كما قال رسول الله صلّى الله عليه
وآله وسلّم، وهي بنت خُويلد بن أسد بن عبدالعُزّى بن قُصيّ بن كلاب بن
مُرّة... بن مضر بن نِزار بن مَعْد بن عدنان. هكذا كما ينتهي إليه نسب رسول
الله صلّى الله عليه وآله.
وهي أُمّ المؤمنين، وأخلص زوجات النبيّ الأمين صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين.
أسماؤها القدسيّة
جاء عن الإمام الصادق عليه السّلام قوله: لفاطمةَ تسعة أسماء عند الله
عزّوجلّ: فاطمة، والصِّدّيقة، والمبارَكة، والطاهرة، والزكيّة، والراضية،
والمَرْضِيّة، والمُحدَّثة، والزهراء.
ومن المعلوم أن النبيّ صلّى الله عليه وآله لما بُشِّر بولادة ابنته
الوحيدة وأُخبر من الله تعالى بفضائلها ومنزلتها وطهارة نسلها.. كان همّه
أن يُسمّيَها بما يناسبها من الأسماء الحسنى الحاكية عمّا فيها من الفضائل
والبركات، وهي التحفة الجليلة، فألهمه الله أن يُسمّيَها « فاطمة ».
ثمّ جاءت الروايات الصحيحة عن أهل البيت النبويّ تقول في سبب تسميتها
بهذا الاسم الشريف: لأنّها فُطِمت بالعلم، وفُطمت عن الطمث، وفُطم من
تولاّها وتولّى ذرّيتها من النار، وفُطم مَن أحبّها وأحبّ أبناءها الأئمّة
الطاهرين من النار كما فُطمت هي وأبناؤها من النار.
وسُمّيت فاطمة ـ كما رُوي ـ لأنّها فُطمت من الشرّ، ولأنّ الخَلق فُطِموا عن معرفتها.
ثمّ هي « الطاهرة ».. طاهرة من كلّ دنَس، ومن كلّ رفث، وما رأت قطّ
يوماً حُمرةً ولا نفاساً، أو كما روى النسائيّ عن النبيّ صلّى الله عليه
وآله قوله: إنّ ابنتي فاطمة حوراءُ آدميّة لم تَحِض ولم تطمث. وكما روى
الخوارزميّ والطبرانيّ عن النبيّ صلّى الله عليه وآله قوله لعائشة: يا
حُميراء، إنّ فاطمة ليست كنساء الأدميّين، ولا تعتلّ كما تعتلّون. وهي سلام
الله عليها ـ باجماع المفسّرين والمحدّثين تقريباً ـ أحد من نزل فيهم قوله
تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكمُ الرِّجسَ أهلَ البيتِ
ويُطهِّرَكم تطهيرا .
ثمّ هي « الزهراء »، إذا قامت في محرابها زَهَرَ نورُها لأهل السماء
كما يَزهَرُ نورُ الكواكب لأهل الأرض، وكان الله تعالى قد خلقها من نور
عظمته كالقنديل علّقه بالعرش، فزَهَرت السماواتُ السبع والأرضون السبع.
وسُميّت الزهراء لأنّها كانت تَزهَرُ لأمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في
النهار ثلاث مرّات بالنور.. كان وجهها القدسيّ يزهر له من أوّل النهار
كالشمس الضاحية، وعند الزوال كالقمر المنير، وعند غروب الشمس كالكوكب
الدُّرّيّ. وكانت ـ إذا طلع هلال شهر رمضان ـ يغلب نورُها الهلالَ ويخفى،
فإذا غابت عنه ظهر.
وهي « البتول »؛ لانقطاعها عن نساء زمانها فضلاً ودِيناً وحسَباً،
ولانقطاعها عن الدنيا إلى الله تعالى، ولأنّها تبتّلت عن النظير. وهي بتول
لم يمنعها شيء ـ ممّا يمنع النساء ـ عن العبادة، فهي الطاهرة المنزّهة عن
نواقص الخلقة وكلّ رجس.
وهي سلام الله عليها « المحدِّثة » و « المحدَّثة » حدّثت أُمَّها وهي جنين في رحمها، وحدّثتها الملائكة وحدّثتهم.
ومن أسمائها أو ألقابها ـ كما في بعض الروايات ـ: المنصورة، والحانية (
المُشفقة على زوجها وأولادها )، والحُرّة، والسيّدة، والحوراء الإنسيّة،
والشهيدة.. حتّى عدّ لها بعضهم عشرين اسماً أو لقباً، ممّا ورد في زيارتها
أو الروايات الشريفة في مناقبها وفضائلها ومنزلتها، نحو: الرضيّة،
والتقيّة، والنقيّة، والمعصومة، والفاضلة، والزكيّة، والغرّاء، وسيّدة نساء
العالمين...
قيل: ويُقال لها في السماء: النوريّة، السماويّة، الحانية.
كُناها
عديدة كأسمائها، أشهرها عند المسلمين: أُمّ أبيها لشدة شفقتها ووافر محبتها لأبيها المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله.
وأمّ الأئمّة، فمنها امتدّ نسلُ الإمامة، فكان من ذريّتها أحد عشر
إماماً وصيّاً معصوماً خليفةً لرسول الله صلّى الله عليه وآله من صُلب سيّد
الأوصياء أمير المؤمنين زوجها عليّ بن أبي طالب سلامُ الله عليه. فالزهراء
فاطمة صلوات الله عليها كانت حلقة الوصل بين النبوّة الخاتمة والإمامة
العاصمة، عُصمت بها الرسالة المحمّديّة من التحريف والضياع.
ومن كُناها عليها السّلام: بنت رسول الله، وأمّ الحسن والحسين، وأُمّ المحسن، وأمّ المؤمنين ـ كما في زياتها سلام الله عليها.
فضائلها
نذكرها على وجه الإجمال عناوينَ عاجلة، وإلاّ استوقفتنا على مجلّدات،
واتّسعت آفاقاً ينقطع عنها البصر والتبصّر. فنقرأ فيما نقرأه من فضائلها
ومناقبها في كتاب الله المجيد:
1. قوله تعالى: فمَن حاجَّكَ فيه مِن بعدِ ما جاءَكَ من العِلمِ فقُلْ
تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكُم ونساءَنا ونساءَكُم وأنفسَنا وأنفسَكُم
ثمّ نَبتهلْ فنَجعلْ لعنةَ اللهِ على الكاذبين .
كان ذلك في المباهلة، والزهراء فاطمة عليها السّلام هي المقصودة ـ
بإجماع المسلمين ـ بقوله تعالى « ونساءَنا »، إذ هي خامسة خمسة المُباهِلين
الأطهار: النبيّ، وعليّ الوصيّ، والحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
وكان النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم قد دعا عليّاً وفاطمة
وحسناً وحسيناً سلام الله عليهم فقال ـ كما في رواية المصادر السنيّة:
اللهمّ هؤلاءِ أهلي. ثمّ باهَلَ بهم فانهارَ أمامه نصارى نجران.
2. قوله تعالى: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهِبَ عنكُمُ الرِّجسَ أهلَ
البيتِ ويُطهِّرَكم تطهيرا . وقد روى المسلمون أنّ الآية أُنزلت في خمسة:
في رسول الله والإمام عليّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم الصلاة والسلام.
وهم أصحاب الكِساء، حيث روى مسلم في صحيحه والترمذيّ في سننه وغيرهما: أنّ
آية التطهير نزلت على النبيّ صلّى الله عليه وآله وهو في بيت أُمّ سَلَمة،
فدعا عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره فجلّله
ثمّ قال: اللهمّ هؤلاء أهلُ بيتي، فأذهِبْ عنهمُ الرجسَ وطهِّرْهُم تطهيرا.
قالت أُمّ سلمة: وأنا معهم يا نبيَّ الله ؟ قال: أنت على مكانك، وأنت إلى
خير.
3. قوله تعالى: قلْ لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى .
عن ابن عبّاس ـ كما يروى المحبّ الطبريّ في ذخائر العُقبى ـ قال:
قالوا: يا رسول الله، مَن قرابتُك هؤلاءِ الذين وَجَبَت علينا مودّتهم ؟
قال: عليّ وفاطمة وابناهما.
وفي رواية أنّه صلّى الله عليه وآله قال: إنّ الله جعل أجري عليكم المودّةَ في أهل بيتي، وإنّي سائلكم غداً عنهم.
4. قوله تعالى: يُوفُونَ بالنَّذْرِ ويَخافونَ يوماً كان شرُّهُ
مُستطيرا * ويُطعِمُونَ الطعامَ على حُبّهِ مسكيناً ويتيماً وأسيرا * إنّما
نُطعِمُكم لوجهِ اللهِ لا نُريدُ منكم جزاءً ولا شُكورا .
وتلك قصّة الإطعام كانت الزهراء فاطمة سلام الله عليها شريكة أهل بيتها
تبيت ثلاثاً لا تُفطِر إلاّ على ماء، وتطوي ثلاثاً صياماً شكراً لله
ووفاءً بما نذرت لشفاء الحسن والحسين صلوات الله عليهما.
وفي الحديث الشريف تنقل كتب المسلمين فصولاً كبيرة في مناقب الزهراء
سلام الله عليها وفضائلها وكراماتها وجلال قَدرها عند الله سبحانه وتعالى
وعند رسول الله صلّى الله عليه وآله، مِن ذلك:
1 ـ قول النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم: أمَا إنّها سيّدة النساء يوم القيامة.
2 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله لها: يا بُنيّة، أما ترضينَ أنكِ سيّدة
نساء العالمين ؟! أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء الجنّة، أو نساء المؤمنين
؟!
3 ـ وكذا قوله صلّى الله عليه وآله: أفضل نساء أهل الجنّة: خديجة بنت
خُويلد، وفاطمة بنت محمّد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
4 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّ فاطمة بضعة منّي، مَن أغضَبَها أغضَبَني.
5 ـ وقوله صلّى الله عليه وآله: إنّما فاطمةُ بضعةٌ منّي، يُؤذيني ما آذاها، ويُنصبني ما أنصبها...
إلى عشرات، بل مئات الأحاديث الشريفة المنقولة صحيحةً متواترة في كتب المسلمين:
المتقدّمين منهم والمتأخّرين. ولكنّ الذي يستوقف القصيّ والدنيّ، ويدعو
إلى التأمّل والانتباه حديثان واضحان قد نالا الإجماع عليهما والقبول بهما
والتسالم على صحتهما:
الأوّل:
قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: فاطمة بَضعة منّي، فمَن آذاها فقد آذاني.
أو: فاطمة بضعة منّي، فمَن أغضبها فقد أغضبني.
أو: فاطمة بضعة منّي، مَن سرّها فقد سرّني، ومن ساءها فقد ساءني.
ونحو ذلك من التعابير المختلفة، وفي بعضها: إنّما فاطمة شجنة منّي.
وفي بعضها: وأمّا ابنتي فاطمة فإنّها سيّدة نساء العالمين، من الأوّلين
والآخِرين، وهي بضعة مني، وهي نور عيني وثمرة فؤادي، وهي روحيَ التي بين
جنبَيّ، وهي الحوراء الإنسيّة.
وفي رواية قريبة أخرى: فمَن آذاها فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله.
هذا ما أورده ابن الصبّاغ المالكيّ في ( الفصول الهمّة )، أمّا الشيخ
محمّد بن إبراهيم الجوينيّ فيروي في كتابه ( فرائد السمطين 36:2 ) بإسناده
عن ابن جبير وابن عبّاس، عن النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله بخبر طويل
أنّه قال:.. وإنّي لمّا رأيتُها ذكرتُ ما يُصنَعُ بها بعدي، كأنّي بها وقد
دَخَل الذُّلُّ بيتَها، وانتُهكت حُرمتُها، وغُصِب حقُّها، ومُنعت إرثَها،
وكُسِر جَنْبُها، وأسقَطَت جنينَها، وهي تنادي: يا محمّداه، فلا تُجاب،
وتستغيث فلا تُغاث. فلا تزال بعدي محزونةً مكروبة باكية... ( إلى أن يقول
صلّى الله عليه وآله ):
فتكون أوّل مَن يَلحقُني من أهل بيتي، فتَقْدِم علَيّ محزونةً مكروبةً
مغمومةً مغصوبةً مقتولة. يقول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عند
ذلك: اللهمّ العَنْ مَن ظلمَها، وعاقِبْ مَن غصَبها، وذلِّل مَن أذلّها،
وخَلِّدْ في نارك مَن ضربَ جَنْبَها حتّى ألقَتْ ولدَها. فتقول الملائكة
عند ذلك: آمين.
الثاني: ما جاء في مسانيد عديدة قول رسول الله صلّى الله عليه وآله: إنّ اللهَ لَيغضَبُ لغضبِكِ، ويرضى لرضاك.
روى ذلك أو في مضمونه الحاكم في ( المستدرك على الصحيحين 154:3 )،
والطبرانيّ في ( المعجم الكبير )، ورواه عنه الهيثميّ في ( مجمع الزوائد
203:9 )، وأورده المحبّ الطبريّ في ( ذخائر العقبى )، وابن الأثير في (
أُسْد الغابة )، والعسقلانيّ في ( الإصابة في تمييز الصحابة )، وابن حجر في
(الصواعق المحرقة).. إضافة إلى الشيخ الصدوق في ( عيون أخبار الرضا عليه
السّلام )، و (معاني الأخبار)، وابن شهرآشوب في ( مناقب آل أبي طالب )،
والشيخ المفيد في مجالسه (المجلس 61).
وتلك فضيلة اختّصت بها الزهراء فاطمة عليها السّلام من دون سائر الناس،
واستُدلّ بها على مكانتها عند الله تعالى، بل وعلى عصمتها، إذ تعلّق رضى
الله تعالى برضاها، وغضبُه بغضبها.. وذلك يعني أنّ رضاها قد وافق رضى الله
عزّوجلّ وطابقه، كما وافق غضبها غضبَ الله وطابقه. وتلك هي العصمة، وإلاّ
لمّا علّق الله سبحانه رضاه برضاها وغضبه بغضبها، فهو جلّ وعلا يعلم أن
أمَتَه وحبيبته الزهراء سلام الله عليها لا ترضى إلاّ بما يرضاه هو
عزّوجلّ، ولا تغضب إلاّ ممّا يُغضبه هو عزّوجلّ.
إذن.. فكانت أفعالها وأقوالها واقعةً في عناية الله عزّ شأنه، وقد
تكفّل هو سبحانه بطهارتها ونزاهتها عن كلّ رجسٍ وإثم، وعن كلّ قبيح ومستقذر
ومستهجَن، بل عن كلّ مكروه وما كان تَركُه أولى. فهي إذن معصومة، وما صدر
عنها حجّة إلهيّة قائمة.
وإلاّ لما كانت سيّدةَ نساء العالمين، ولما قال لها أبوها وهو أشرف
الخلائق أجمعين، صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين، صبيحة عرسها وقد قدّم
لها لبناً: إشربي فِداكِ أبوك.
وبعد.. فمن مناقبها أنّها صلوات الله عليها: المهاجرة إلى الله ورسوله،
وأحد الرُّكبان الأربعة يوم القيامة، ولها أُمومة الأئمّة وعقِبُ الرسول
الأعظم صلّى الله عليه وآله، فنسله إنّما امتدّ منها. وكانت لها كرامات
آيات دالاّت على شرف محلّها عند الله عزّوجلّ.. هذا إلى ما يكون لها يوم
القيامة من شأن عظيم ومقام رفيع واختصاص وكرامة وفضائل لا تُدانى. وقد نقل
ذلك العامّ والخاصّ، ووُثّق في أحاديث رسول الله صلّى الله عليه وآله فيها،
ورُوي في عيون كتب الأخبار.