منذ أقدم العصور كانت الأزهار والنباتات والأشجار تحظى بالإعجاب والرعاية الكبيرين في الهند. ويتضمن الأدبان السنسكريتي والبوذي إشارات كثيرة للحدائق. غير أن أول الأعمال الموثقة عن فنون الحدائق لم تظهر في الهند إلا في العهد الإسلامي، حيث أحضر الحكام المسلمون تقنيات زراعتها من وسط آسيا وفارس لتصبح بعد ذلك فنوناً أصيلة في البلاد. ثم تطورت باستخدام الأساليب السابقة والمبتكرة وبلغت أوج تقدمها في حدائق كشمير التي بناها الإمبراطور المغولي جاهنجير وزوجته الإمبراطورة نورجيهان.
وقد أبدع الأفغان والباتان الذين أتوا مع جيوش المسلمين إلى الهند في بناء الحصون والمساجد الضخمة. وتعود إلى هذه الحقبة من تاريخ البلاد أعظم الصروح وأجمل الحدائق في الهند. غير أن الحدائق التي تحيط بهذه المباني قد اختفت الآن تقريباً، ذلك أن بدايات العهد الإسلامي في الهند كانت مليئة بالاضطرابات. فالملوك كانوا يصلون سدة الحكم ثم يهوون بتواتر مثير للعجب. وما إن تظهر أسرة حاكمة حتى تختفي وكأنها لم تكن. كما أن الحروب وسياسات الملك في تلك المنطقة المضطربة لم تكن تفسح مجالاً لأعمال الترف مثل تخطيط الحدائق.
غير أن فيروز شاه طوغلاق الذي حكم دلهي بين 1351و 1388 حظي بعهد هادئ نسبياً مقارنة بالحكام الذين سبقوه. وعرفت دلهي حينها باسم فيروزأباد. وتقول المراجع التاريخية أن دلهي حينها أحيطت بأكثر من مئة حديقة، لم يتبق منها اليوم ولا حديقة واحدة. وما بقي من عهده حتى الآن هو بضعة أقنية قديمة في بعضٍ من الأنحاء شمال الهند.[tr][td height="179" width="563" valign="top" colspan="2"]
بعدها بقرابة قرنين من الزمان، عام 1526، تولى محمد بابور الحكم وجعل من مدينة أغرا عاصمة لحكمه ليشرع بعدها في بناء الحدائق من بين مشاريع عمرانية أخرى. أولى حدائقه كانت رام باغ على ضفاف نهر جامونا. وهي من أقدم الحدائق في الهند التي لاتزال موجودة إلى يومنا هذا وقد اشتق أسمها من لغة الماراتا في القرن الثامن عشر.
يقول محمد بابور في مذكراته "بابور ناما" متحدثاً عن حديقته: "بعد قدومي إلى أغرا بوقت قصير، مررت بنهر جامونا واخترت بقعة مناسبة لتكون حديقة. كان المكان بأكمله قبيحاً ومقرفاً، لدرجة أني لم أجد بجانب النهر كله منطقة أفضل منها في أغرا. كنت مضطراً لاختيار هذه المنطقة والعمل على الحصول على أفضل ما يمكن منها. بدأت بحفر بئر ضخم ثم شرعت ببناء خزان كبير للمياه قبل إحاطة المنطقة بسور وبناء قاعة ضخمة للمتفرجين أمام القصر الحجري. بعدها أنهيت بناء أجنحة السكن الخاصة ثم الحمامات وبعدها الحدائق التي كانت تتصف بقدر كبير من النمطية. في كل ركن منها زرعت مساكب مناسبة له ووروداً في أحواض متناظرة مع بعضها. والهنود الذين لم يسبق لهم أن رأوا شيئاً مثل هذا أطلقوا اسم كابول على الجانب الذي بنيت فيه القصور."
هذا الوصف المطول لتصميم الحديقة في أغرا يوضح الأسلوب الذي أدخله بابور على حدائقهم.
[/td][/tr][tr][td height="85" width="9" valign="top"]
[/td] [td height="85" width="783" valign="top"]
غير أن عهد هومايون، ابن بابور وخليفته كان قصيراً ومضطرباً ويذكره التاريخ أساساً لأشياء ثلاثة: كونه والد الإمبراطور أكبر، وعاصمته في قلعة بورانا التي لم يتبق منها إلا الأطلال الآن، والضريح الذي بناه حفظاً لذكرى زوجته الأولى والذي كان الشاهد الأول على عظمة العمارة في العهد المغولي.
كان تصميم الضريح هو النموذج الذي طور منه تصميم تاج محل. وفيه أيضاً دفن هومايون ويقع على بعد أربعة أميال جنوب دلهي الحالية. كان الضريح المبنى الأكثر جمالاً في زمانه وحدائقه امتدت على مربع مساحته 13 فداناً. أما اليوم فهو عارٍ وموحش. ومع ذلك يمثل أقدم الحدائق المغولية في الهند والتي لا يزال مخططها الأصلي موجوداً حتى اليوم. أحواضه وسواقيه الحجرية رممت لكن بغير اهتمام كبير. فيما حدائقه خلت من أشجارها وثمارها وأزهارها التي ميزت الحدائق المغولية في ذلك الزمان. على بعد خمسة أميال ونصف إلى الشمال من أغرا، يوجد سيكاندرا، ضريح الإمبراطور أكبر (1556- 1605) الذي بني على موقع حديقة سيكاندر لودي. يرتفع المبنى وسط سهل واسع وحدائقه موزعة وفق خطوط الحدائق السابقة التي بناها أكبر. مربع ضخم معزول عن محيطه بأسوار عالية. في منتصفه وعلى منصة واسعة ينتصب الضريح. في كل جانب من الحديقة خزانات تغذي بالمياه السواقي الضيقة المفتوحة وسط الممرات الحجرية المرتفعة عن الأرض. كان أكبر نفسه هو من شرع في بناء الضريح. ولم يتبق منه الآن سوى حديقة من الأعشاب والأشجار المتفرقة التي تتخللها ممرات حجرية بقيت من مخططها الأصلي.
[/td][/tr][tr][td height="12" width="573" valign="top" colspan="2"]
كان أكبر هو الإمبراطور الأول الذي فتح كشمير، وهناك بنى قلعة هاري بابات (التلة الخضراء) في سريناغار. وصمم حديقة ضخمة قرب شاطئ بحيرة دال الجميلة شمال سريناغار وأسماها نسيم باغ. توجد الحديقة في أرض فضاء جميلة تشرف على البحيرة وأخذت اسمها من النسائم العليلة التي تهب طوال اليوم تحت أشجارها. اليوم اختفت الأسوار والسواقي والنوافير وأضيفت إليها الدروب المحاطة بأشجار التشينار الجميلة والمتفاربة بعد زمن طويل من إنشاء الحديقة. وتعامل هذه الأشجار بعناية كبيرة نتيجة حجمها الضخم وجمالها وظلالها الوارفة. المروج الخضراء تغطي الشرفات الكبيرة في نسيم باغ التي ترتفع بعظمة من الماء. ولا تزال الإطلالة من أغصانها نحو الامتداد الأزرق للبحيرة ساحرة كما كانت حين اختار الإمبراطور أكبر المكان ليكون أول حديقة مغولية في كشمير. ويقدم كتاب "عين أكبر" وصفاً مفصلاً لأعداد النباتات والأزهار في حدائق عهد أكبر. كما يقدم الكتاب معلومات عن فنون البستنة التي أتي بها إلى دلهي من إيران وتوران لتزدهر تحت رعاية أكبر.
أولى الإمبراطور جاهنجير وزوجته نورجيهان كشمير ولاهور ومدن الشمال في الإمبراطورية المغولية جل اهتمامهما. وحول الإثنان كشمير إلى جنة أرضية في الهند والعاصمة الصيفية لدولتهما. وتذكر المراجع التاريخية أن البلاط المغولي طراً قد انتقل في رحلته الموسمية هذه ما لا يقل عن ثلاث عشرة مرة إلى تلك العاصمة الصيفية عابراً المعابر الجبلية المغطاة بالثلوج في بير بانجال على الفيلة وهو ما كان مغامرة محفوفة بالمخاطرة في ذلك الزمان. وكان وجهاء البلاط الآخرون يعتزلون في حدائقهم الخاصة في التلال المجاورة هرباً من حرارة الصيف الخانقة في المدينة وقد تحدث بيرنييه مطولاً وهو يكتب من قصر أورانغزيب عن تلك الحدائق الخاصة التي بنيت على ضفاف جامونا المجاورة. وبالطبع فقد كان الماء الجاري حاضراً دوماً فيها وكانت توجد في قصر المدينة نافورة وحديقة مزروعة بمختلف الأشجار والأزهار في جناح النساء في القصر.
[/td][/tr][tr][td dir=ltr height="11" align="center" width="573" colspan="2"]
[/td] [/tr][tr][td height="22" width="578" valign="top" colspan="2"]
كما بنى جاهنجير أيام شبابه عدة حدائق مغولية في مدينة أوديبور في راجستان. وعلى الجانب الآخر من نهر جامونا، في الجانب نفسه الذي توجد فيه رام باغ، بني ضريح اعتماد الدولة (ميرزا غياث بيك) وهو أحد أجمل حدائق دلهي التي بنيت لتكون ضريحاً. وقد بنت هذا الصرح الرائع الإمبراطورة نورجيهان وكسته بالمرمر والبلاط الفارسي الملون تخليداً لذكرى والدها ميرزا غياث بيك. كما شيد آصف خان، شقيق نور جيهان، حديقة نيشات باغ الجميلة على شاطئ بحيرة دال في كشمير في عهد جاهنجير. وكانت تلك أكثر الحدائق المغولية بهرجة إن بنوافيرها أو خزانات المياه فيها أو أزهارها وهي تستريح على سفح أحد الجبال.
حين زار شاه جيهان كشمير عام 1638 عرج على حديقة آصف خان فسحرته بشرفاتها وإطلالاتها الرائعة على البحيرة والجبال. وأقنع نفسه بضرورة أن تكون له مثل هذه الحديقة الفريدة ولهذا أبدى إعجابه بالحديقة صراحة أمام آصف خان، شقيق زوجته، ثلاث مراتأكثر الحدائق المغأ متوقعاً منه أن يعرضها عليه هدية بلا تردد. غير أن آصف خان بقي صامتاً. فلم تطاوعه نفسه أن يتخلى عن حديقته لمليكه. فما كان من الأخير إلا أن أمر غاضباً بقطع مدد الماء عن نيشات نباغ انتقاماً من صاحبها لتفقد الحديقة التي طالما حسد صاحبها عليها كل جمالها. لم يكن بمقدور آصف خان في قصره الصيفي ذاك أن يفعل شيئاً إزاء الأمر وشاركه آل بيته كلهم حزنه وغمه. وذات يوم جلس بجانب إحدى السواقي مهموماً من حال حديقته ثم غط في النوم. غير أن ضجيجاً ما أيقظه. وما كاد يصدق ما رأى إذ عادت النوافير تتراقص بمياهها تارة أخرى. والسبب هو أن أحد خدمه المخلصين جازف بحياته وتحدى أوامر الإمبراطور مزيلاً حاجز المياه من الجدول. وما كان من آصف خان إلا أن وبخه على تهوره وأمره بأن يغلق الجدول سريعاً. غير أن الخبر وصل الإمبراطور الموجود في حدائقه المجاورة في شاليمار. وطلب شاه جيهان إحضار ذلك الخادم إليه وبدلاً من إيقاع العقاب، أمر الإمبراطور بمنح الخادم المرتعد خوفاً وشاح شرف جزاءً له على إخلاصه في خدمة سيده. كما زاد على ذلك بالسماح لسيده باستجرار الماء الذي يريد إلى حديقته من جدول شاليمار.
توجد حديقة شاليمار باغ الشهيرة على الجانب الأقصى من بحيرة دال وقد سميت على اسم قرية تجاورها. وكان جاهنجير قد وضع مخططها عام 1619. تتخلل الحديقة سواقي الماء وتظلل ممراتها أشجار التشينار الضخمة وكانت مقر إقامة صيفي لأباطرة المغول، والحديقة موزعة على أجزاء ثلاثة: حديقة خارجية وحديقة وسطى للإمبراطور حصراً وثالثة للإمبراطورة ورفيقاتها. تنتهي الخارجية منها عند "ديوان العام". وفيها عرش رخامي أسود صغير لا يزال يشرف على شلال المياه. وكانت الحديقة تشرع أبوابها أمام العامة مراراً لتمكينهم من رؤية الإمبراطور المتربع على عرشه في قاعة للمتفرجين من الرعية. أما الحديقة الثانية ففيها "ديوان الخاص" وهي مقصورة على الخاصة من الحضور في وسط الحديقة. وتضم الثالثة فناءً من الرخام الأسود بنته شاه جيهان للنسوة.
[/td][/tr]