غزوة بدر.. دعوة إلى الأمل وعدم اليأس في نصر الله القاهرة - الناظر إلي حال المسلمين قبل غزوة بدر لا يحدوه الأمل في النصر علي المشركين.. فالمسلمون يومئذ قلة.. ولا يملكون القوة المادية لتحقيق النصر.
ولكنهم كانوا يملكون ما هو أعظم من ذلك.. كانوا يملكون الإيمان والأمل في نصر الله فلم يتسرب إليهم اليأس لحظة.. وكانوا علي يقين بأن النصر آت لا محالة.. وهذا ما يجب أن يكون عليه المسلمون في كل وقت.. فمهما بلغت قوة العدو فيجب ألا يتسرب إليهم الياس وألا يقنطوا من رحمة الله وأن يأخذوا بأسباب النصر كما أمرهم الله عز وجل ويتعلقوا بالله سبحانه فهو مسبب الأسباب.
وعن ذلك يقول الشيخ عماد مالك إمام وخطيب بالأوقاف: لقد كان النبي صلي الله عليه وسلم قبل غزوة بدر يبث الأمل في أصحابه ويبشرهم بنصر الله لهم.. فقال لهم صلي الله عليه وسلم
سيروا علي بركة الله وابشروا فإن الله قد وعدكم إحدى الطائفتين. والله لكأني الآن أنظر إلي مصارع القوم).. والنبي صلي الله عليه وسلم لم يبشر أصحابه بالنصر وجلس لكي ينزل عليه النصر من السماء.. ولكنه صلي الله عليه وسلم خطط للمعركة فعرف أخبار العدو وعددهم وعدتهم وسار إلي بدر وأغار علي الآبار وأخذ كل ما يمكنه من الأسباب.. وتعلق بخالقه ومولاه.. فجعل يستغيث بالله ويقول
اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم أنجز ليما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض).. وجعل يرفع يديه ويناجي ربه حتى سقط رداؤه عن منكبيه..عندئذ تنزل النصر عليهم وتنزل المدد من الله الذي لا ينتهي.
فبرغم أن عدد المسلمين ثلث عدد المشركين وليس معهم من السلاح والخيول مثل ما مع المشركين إلا أن ثقتهم بربهم كبيرة فما خذلهم الله ولكن أنزل جنوده عليهم.. فأنزل الله عليهم الملائكة لتقاتل معهم قال تعالي
إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين).. كما أنزل الله عز وجل في قلوب المؤمنين السكينة والثبات ووضع في قلوب الأعداء الرعب.. فالله عز وجل هو الذي يقلب القلوب فثبت جنده المؤمنين بثبات الإيمان.. قال تعالي
إذ يوحي ربك إلي الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).. فهذه السكينة كانت تأييدا للمسلمين في بدر وغيرها فلابد أن يطمئن المسلم لأن الله عز وجل هو الذي يمكر بالكافرين وهو الذي يدير لنا المعركة قال تعالي
إنهم يكيدون كيدا، وأكيد كيدا، فمهل الكافرين أمهلهم رويدا).
ويضيف:كان من جنود الله التي أيد بها المؤمنين النعاس.. فحينما لا ينام المرء يظل قلقا ومتعبا ولن ينام ما دام أنه في انتظار العدو لكن الله عز وجل ألقي النعاس علي المؤمنين فأصبحوا آمنين مطمئنين والكافرين في فزع وخوف.. فأي مدد وأي فضل للمؤمنين حينما يكرمهم الله عز وجل إلي هذا الحد.. إنه الإيمان الذي يجعل المرء مطمئنا بالله واثقا بمولاه وعلي أمل تام بالنصر والرفعة في الدنيا والآخرة.
وكان من نصر الله للمؤمنين أن أنزل عليهم المطر من السماء قال تعالي
وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط علي قلوبكم ويثبت به الأقدام).. وهذا المطر أنزله الله من السماء ليطهر المؤمنين لصلاتهم.. ويثبت أقدامهم لأنهم التقوا مع عدوهم علي رملة تسوخ فيها الأقدام فلبدها المطر حتي صارت الأقدام عليها ثابتة.. فالله عز وجل هيأ للمؤمنين كل أسباب التمكين حينما جاهدوا في سبيله وأخذوا بالأسباب ما استطاعوا وتعلقوا به سبحانه.
وأوضح أن المؤمن لابد أن يكون علي أمل دائم في الله رب العالمين.. علي أمل في الفوز والنجاة من المكروه وانقشاع الغمة وانفراج القربة وانتصار الحق علي الباطل والهدي علي الضلال والعدل علي الظلم.. فالمؤمن بربه لا يعرف القنوط إلي قلبه سبيلا ولا يغلبه اليأس.
LENA