[b]الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، ثم اما بعد.......
وحتى لاينخدع البعض بما يقال عن هذا الرجل من كذب وضلالات ولمن يريد ان يعرف حقيقة هذا الرجل الذى يتعرض يوميا لضلالات واتهامات بالتكفير والارهاب وحروب ثقافية يومية اهدى له الوضوع.......
فقد مضت سنة الله - تعالى - التى لا تتبدل ان يعارض اهل الباطل اهل الحق الداعين إليه ؛ وان يشنعوا عليهم ويثيروا الشبه والشكوك حولهم ليصدوا عن سبيل الله ويبغونها عوجا .
ولان دعوات الاصلاح والتجديد دائما ماتواجه مقاومة عنيفة كرد فعل جماعى دفاعا عن المألوف والموروث؛ اذ انها حين تصطدم بالمألوف وتحاول تغييرة فانها تتحدى اهله والمنتفعين به؛ ولذلك جابهت دعوة التجديد التى انار شعلتها شيخ الاسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمة الله تعالى - حالة عدم الانقياد والتصلب التى اظهرها معارضوه ولم تقتصر تلك الحالة على تجييش الجيوش ورفع السلاح فقط بل انضمت اليها اقلام فاسدة متعصبة تدعوا الى الضلال دائما حاولت مسخ حقيقتها وتشويه صورتها بالكذب والاقتراء .
فالشيخ رحمة الله لم ياتى بجديد او ماهو مخالف للقران والسنه بل رحمه الله كان يدعوا الى العودة الى صحيح القران والسنة بعد ما رأى من تفشى البدع والمنكرات ؛ وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر. فلا يظن ظان ان الوهابية تختلف مع خصومها فى مسائل تخصهم هم وحدهم ( اى الوهابيون) بل هى معتقد اهل السلف الصالح المبنى على ادلة الكتاب والسنه انطلاقا من منهاج النبوة وليس للوهابيون و للشيخ - رحمة الله - سوى فضل احيائها ؛ وتجديدها ؛ وتذكير المسلمين بها ونفض غبار البدع عنها .
لقد تسرع الكثيرون من العوام فى الحكم على الشيخ والتجنى عليه فالغالبية لم تقرا للشيخ ؛ وانما قرأ من اعدائة ولعبت السياسة دور هام جدا فى ذلك لاسيما السياسة الانجليزية التى كانت ترصد وتراقب بواعث النهضة فى الامة الاسلامية ؛ وتحاول الاجهاز عليها قبل ان تؤتى ثمارها.
كما ان للدولة العثمانية - التى انتشرت فى ظلها طرق صوفية غالية - انطلقت فى هجومها على الدعوة السلفية لمخالفتها لها فى المنهاج ؛ وفى بعض متعلقات العقيدة كالتوسل ‘والاستغاثة بالموتى وثائر البدع والشركيات .اضف الى ذلك الروافض(مايطلق عليهم الشيعة) الذين ينالون من اصحاب رسول الله صلى الله علية وسلم؛ ورضى الله عنهم؛ويتورطون فى شركيات يزعمون انها من اصول الدين .
اذن فيجب علينا اولا ان نعرض لميلاد الشيخ ونبذة عن حياتة لنعرف من هو هذا الرجل الذى افزع اصحاب البدع والروافض وتشن الحروب الثقافية يوميا من اجله .
ولد الشيخ محمد بن عبدالوهاب بن سليمان التميمي، في بلدة العيينَة عام (1115هـ)، في بيت علم وتقى، وتعلم القرآن وحفظه قبل البلوغ، وكان حاد الفهم، وقَّاد الذهن، ذكي القلب، وسريع الحفظ.
وكان والده آنذاك، قاضي العيينة، فقرأ الشيخ على أبيه الفقه، وكان كثير المطالعة في كتب التفسير والحديث، وكلام العلماء في أصل الإسلام.
وزوجه والده بعد البلوغ مباشرة، ثم طلب من أبيه الحج إلى بيت الله الحرام، فأذن له فحج، وقصد المدينة وأقام فيها شهرين، ثم رجع بعد ذلك إلى أبيه في العُيينة، وأخذ يدرس الفقه على مذهب الإمام أحمد، على والده.
وكانت نجد - والشيخ في مقتبل عمره - تغص بالمنكرات، وكان الشرك آنذاك قد فشا فيها، وكثر الاعتقاد في الأشجار والأحجار والقبور، وغير ذلك من الشرك الأكبر والأصغر.
وعزم الشيخ على مقاومة هذه المظاهر الجاهلية، من شرك وخرافة وبدع، وأخذ يعمل على نشر الكتاب والسنة، وسيرة السلف الصالحين، ولذلك قرر أن يرتحل من بلدة العيينة، يطلب العلم والنصرة، وإعداد العدة من النور والحكمة، ولعله يجد من يساعده على ماعرف من دين الإسلام.
وخلاصة ماذكره المؤرخون، وأهل التحقيق، أن الشيخ رحل إلى خارج وطنه، لطلب العلم، ثم إلى الحجاز، ثم إلى البصرة، وإلى الأحساء، ثم البصرة أيضاً، والزبير، ثم إلى الحجاز، ولم يتمكن من الرحلة إلى الشام، وعاد إلى نجد يدعوهم إلى التوحيد.
وكانت عودته من المدينة إلى حريملاء، حيث كان والده قد انتقل إليها من العيينة، وتولى والده القضاء في حريملاء، وأقام الشيخ محمد بعد عودته من رحلته العلمية يدعو إلى التوحيد، ويبين بطلان دعاء غير الله، وما يترتب على غير ذلك من فساد في العقيدة، وخلل في الدين.
ولما توفي والده عام (1153هـ)، أعلن الشيخ الدعوة إلى تصحيح العقائد السائدة بعقيدة السلف الصالح.
ولم تكن حريملاء صالحة لأن تكون منطلقاً لدعوته، فانتقل منها عام (1155هـ)
- تقريباً - إلى العيينة، فأظهر الله عقيدة السلف الصالح، وتولى الشيخ لنشرها، وتدريس العلوم النافعة، وتأليف الكتب الماتعة في أصول الإسلام وفروعه.
كانت وفاة هذا العالم الفقيه المجدد محمد بن عبدالوهاب، عام (1206هـ)، ولم يخلف ديناراً ولا درهماً، ولم يوزع بين ورثته مالاً ولم يقسم، لكنه خلف لنا - رحمه الله -ثروة عظيمة من التراث العلمي، والمؤلفات النافعة.
وسنعرض اولا لاقوال خصوم الاسلام عن الوهابية والشيخ محمد بن عبد الوهاب :
1 - جاء فى دائرة المعارف البريطانية
( الحركة الوهابية اسم لحركة التطهير فى الاسلام؛ والوهابيون يتبعون تعاليم الرسول وحده‘ ويهملون كل ماسواها؛ واعداء الوهابية هم اعداء الاسلام الصحيح))
2 - قال المستشرق الاسبانى(ارمانو) : ((ان كل ما الصق بالوهابية من سفاسف واكاذيب لاصحة له على الاطلاق فالوهابيون قوم يريدون الرجوع بالاسلام الى عصر صحابة محمد صلى الله عليه وسلم ))
3 - قال المستشرق ( جولدتسيهر ) فى كتابه ( العقيدة والشريعة) : (( اذا اردنا البحث فى علاقة الاسلام السنى بالحركة الوهابية نجد انه مما يسترعى انتباهنا خاصة من وجهة النظر الخاصة بالتاريخ الدينى الحقيقة الاتية : يجب على كل من ينصب نفسه للحكم على الحوادث الاسلامية ان يعتبر الوهابيون انصارا للديانة الاسلامية على الصورة التى وضعها النبى واصحابه ‘فغاية الوهابية هى اعادة الاسلام كما كان))
4 - قال (برنارد لويس)فى كتابه ( العرب فى التاريخ ) : ((وبإسم الاسلام الخالى من الشوائب الذى ساد فى القرن الاول ‘ نادى محمد ابن عبد الوهاب بالابتعاد عن جميع ما اضيف للعقيدة والعبادات من زيادات بإعتبارها بدعا خرافية غريبة عن الاسلام الصحيح ))
5 - وقال المستشرق الانجليزى ( جيب ) فى كتابه ( الاتجاهات المدنية فى الاسلام ) : ((أما مجال الفكر : فإن الوهابية بما قامت به من الفتن ضد التدخلات العدوانية ‘ وضد الاصول القائلة بوحدة الوجود ‘ التى تريد تدنيس التوحيد فى الاسلام : فقد كانت عاملا مفيدا للخلاص الابدى ‘ وحركة تجديد اخذت تنجح فى العالم الاسلامى شيئا فشيئا))
6 - وقال (بوكهارت) : ((وما الوهابية - ان شئنا ان نصفها - الا الاسلام فى طهارته ؛ وقال : لكى نصف الدين الوهابى‘ فإن ذلك يعنى وصف العقيدة الاسلامية ؛ ولذلك فإن علماء القاهرة اعلنوا انهم لم يجدوا اى هرطقة - اى بدعة او خروجا عن الدين - فى الوهابية ))
7 - وذكر الدكتور ( داكبرت ) المؤرخ الالمانى فى كتابه ( عبد العزيز) : ((ان الشيخ محمد بن عبد الوهاب كانت تملأ قلبه فكرة جديدة للقوى العربية ‘ وانه عزا تلاشى قوة العرب الذى اخضعهم للنفوذ الاجنبى الى ابتعادهم عن سيرة السلف الصالح ‘ وانقسامهم الى شيع ؛ وابتعادهم عن خلقهم العربى الاصيل ؛ ثم قال : ورأى الشيخ ان سبب الانقاذ هو الرجوع الى تعاليم الدين المشروعة ع الى تعاليم الرسول الصحيحة ‘ فراح يبشر - بوحى من ضميره وعقيدته -بمحاربة البدع التى ادخلت على الاسلام عبر العصور الغابرة ‘ والضال المضل من تقارير علماء الدين غير مقيم وزنا لما نص عليه القرأن صراحة او لما يمكن نسبته بصورة قاطعة للنبى محمد صلى الله عليه وسلم وراح يحارب بكل قواه المستمدة من عقيدته الصلبة تقديس الاولياء ‘ وجعلهم واسطة بين الناس والرسول وينادى بهدم الاضرحة ‘ ومزارات الاولياء ‘ وازالة معالمها اقتداء بالنبى الكريمع الذى حارب بدعة تقديس الهياكل ‘ وعبدة الاصنام الموروثة من الجاهلية ))
8 - قال المؤرخ الفرنسى ( سيديو) مامعناه : (( ان انجلترا وفرنسا حين علمتا بقيام محمد بن عبد الوهاب وابن سعود وبأنضمام جميع العرب اليهما لأن قيامهما كان لأحياء كلمة الدين ‘ خافتا ان ينتبه المسلمون فينضموا اليهما‘ وتذهب عنهم غفلتهم ‘ ويعود الاسلام كما كان فى ايام عمر - رضى الله عنه - فيترتب على ذلك حروب دينية وفتوحات اسلامية ترجع اوروبا منها فى خسران عظيم ‘ فحرضتا الدولة العلية على حربهم ‘وهى فوضت ذلك الى محمد على باشا))
اقوال المفكرين العرب وعلماء الدين :
1 - قال د طه حسين - "رغم اختلافنا معه فى امور كثيرة " - قال فى كتابه ( الحياة الادبية فى جزيرة العرب) مشيرا الى المذهب الوهابى : (( قلت :ان هذا المذهب جديد وقديم معا ‘ والواقع انه جديد بالنسبة الى المعاصرين‘ ولكنه قديم فى حقيقة الامر ‘ لأنه ليس إلا الدعوة القويمة الى الاسلام الخالص النقلى المطهر من كل شوائب الشرك والوثنية ؛ هو الدعوة الى الاسلام كما جاء به النبى صلى الله عليه وسلم خالصا لله وحده ع ملغيا كل واسطة بين الله والناس))
وقال ايضا فى صفحتى ( 13 . 14 ) :ولولا ان الترك والمصريين اجتمعوا على حرب هذا المذهب ع وحاربوه فى داره بقوى واسلحة لا عهد لأهل البادية بها ؛ لكان من المرجوا ان يوحد هذا المذهب كلمة العرب فى القرن الثانى عشر والثالث عشر الهجرى كما وحد ظهور الاسلام كلمتهم فى القرن الاول))
وقال ايضا : (( اذا كان الوهابيون لم يستطيعوا تكرار الفتح الاسلامى‘ فقد استطاعوا ان يبرهنوا على امكانية تحقيقه ‘ او على الاقل استطاعوا ان يدعموا حجة الرافضين للحل التغريبى)) .
2 - قال الأديب المصري د- مصطفى صادق الرافعي : ((عاش الشرق الإسلامي زهاء خمسة قرون من عمر الزمن ، ينعم في بحبوحة ونعيم ، وحضارة وارفة الظلال ، بفضل نور الإسلام الوهاج الذي عمّم خيراته على كل أرض ، ونشر هدايته لكل قبيل.
بعدها اعتراه الوهن والضعف ، فمر في عهود سوداء ، وحاقت به ظلمات حالكة ، فتقلصت هداية الإسلام عن أرضه أو أوشكت ، وأصبح تراث المسلمين نهباً مقسماً بين شذاذ الأمم ، وذئبان الشعوب ، يستغلون علومه ويستأكلون حضارته ، فسيطر على بلاده الغربيون ، فأذاقوها من العذاب أقسـاه ، ومن الألم أشده ، حتى انحدرت بلاد المسلمين إلى هوة عميقة من الضعف والتخلف والانحطاط.
ثم ما إن أطلّ القرن الثامن عشر ، حتى انطلقت صيحة واعية مؤمنة من قلب الجزيرة العربية ، تهيب بالمسلمين أن يتحرروا من الشوائب التي اعترت عقائدهم ، والخرافات والأباطيل التي شوّهت دينهم ، وأن يعودوا في جميع شؤون حياتهم إلى ما كان عليه حال السابقين الأولي من أسلافهم.