حان الوقت لنكتشف فائدة الدهون في طعامنا هل يفضل تناول الدهون المشبعة والدهون المتحولة؟ لا! اما تعويض الكربوهيدرات بالدهون غير المشبعة، فيمكن ان يؤدي الى حياة اطول وعافية موفورة.
أن الدهون من اي نوع غنية بالسعرات الحرارية، واي غرام من الدهون يحتوي على نحو تسع من السعرات مقارنة بأربع سعرات في الغرام الواحد من الكربوهيدرات.
اذن فالدهون قد تشكل مصدرا للسمنة وزيادة الوزن اذا تناولت الكثير منها. وبالطبع فإن الامر ذاته ينطبق على الكربوهيدرات. واي سعرات حرارية اضافية ايا كان مصدرها، لا تكون في مصلحة صحة الانسان.
مصدر الطاقة
لنفترض جدلا ان مستويات السعرات الحرارية في فرد ما صحيحة، وانه يستهلك منها بالقدر الذي يقوم بحرقه، فأين هو المصدر الأفضل للحصول عليها؟
لسنوات كانت المشورة الغذائية الرسمية قد ابعدت الاميركيين عن الدهون باتجاه الكربوهيدرات. واظهرت الدراسات المهمة في الخمسينات ان البلدان التي يتناول اهلها الكثير من الدهون المشبعة التي نجدها في اللحوم ومنتجات الالبان، هي اكثر ارتباطا بالأمراض القلبية.
ولكون الدهون المشبعة لها اسم سيئ، فقد طغى هذا الوصف على جميع الدهون، رغم بعض الابحاث القائلة وقتذاك ان الانواع الاخرى من الدهون اظهرت ربما تأثيرا مخالفا.
لكن الصلة بين استهلاك الدهون الاجمالي والصحة السيئة تبدو واهنة جدا وضعيفة. وكلتا الدراستين الكبيرتين الخاصتين بالأوبئة، في جامعة هارفارد، الاولى الدراسة الصحية للممرضات والاخرى للمهنيين الصحيين التي تبعتها، لم تجد اي صلة بين النسبة الاجمالية للسعرات الحرارية الناجمة عن الدهون في الوجبات الغذائية وبين اعداء الصحة الثلاثة الكبار: السرطان وامراض القلب وزيادة الوزن. وكانت نتائج هاتين الدراستين متشابهة مع العديد من الدراسات الاخرى الكبيرة ايضا.
المفيد والضار
اذا فتحنا الباب الى المزيد من الدهون في وجباتنا الغذائية، فأي نوع من الدهون ينبغي علينا تناوله؟
الدراسات التي اجريت في الخمسينات والتي قامت بمقارنة البلدان لم تكن مخطئة في ما يتعلق بأضرار الدهون المشبعة على القلب. واحلال الدهون المشبعة محل الكربوهيدرات من شأنه رفع معدلات الكوليسترول السيئ المنخفض اللزوجة LDL . وكذلك الكوليسترول الحميد العالي اللزوجة HDL، وان كان ذلك غير كاف لشطب الزيادة في الكوليسترول السيئ.
ولكن اذا قمنا باحلال الدهون غير المشبعة الموجودة بشكل رئيسي في زيوت الخضار، محل المقدار ذاته من الكربوهيدرات، لحصلنا على الافضل من كلا عالمي الكوليسترول: انخفاض في معدلات الدهون السيئة المنخفضة اللزوجة، وزيادة في الدهون الجيدة العالية اللزوجة.
وكان الباحثون في جامعة هارفارد قد قدروا انهم لو خفضوا كمية قليلة من الكربوهيدرات التي نتناولها (نحو 5 في المائة من المقدار الكامل من السعرات التي نتناولها) واحللنا محلها الدهون غير المشبعة لخفضنا خطورة الاصابة بالامراض القلبية بنسبة 30 الى 40 في المائة.
ولكن كالعادة فان الامور ليست بتلك البساطة لان اغلبية الدهون المشبعة في وجباتنا الغذائية مصدرها المنوعات الاربعة التالية: حمض اللوريك (الغار) Lauric Acid، والحامض الميرستي Myristic Acid ، والحامض النخيلي Palmitic Acid، والحامض الاستياري Stearic Acid.
وتأثيرها على الكوليسترول السيئ المنخفض اللزوجة يتنوع، وكذلك بالنسبة الى الدهون المشبعة هناك درجات من السوء، اي من السيئ الى الاسوأ.
ويبدو أن الحامض الأستياري هو الأقل سوءا لكونه يتحول بسرعة الى دهن صحي غير مشبع، ولا يقوم بزيادة معدلات الشحوم المنخفضة اللزوجة كثيرا، وربما ابدا. وهذا خبر جيد للذين يهوون تناول قطعة من الستيك لكون نصف دهون اللحم البقري مكونة من الحامض الاستياري.
والشوكولاته التي تنعم اليوم بالمديح الصحي نظرا الى تأثيراتها في تخفيض ضغط الدم تبدو انها تنعم بالافضل من هذه المزايا، اذا اخذنا في الاعتبار ان ثلث الدهون في زبدة الكاكاو هي من الحامض الاستياري.
الدهون المتحولة
وبعض الدهون المتحولة تتكون طبيعيا في اللحوم ومنتجات الالبان، لكن غالبيتها هي صناعية. وهي تنتج عن عملية الهدرجة الجزئية، اي عن طريق اضافة ذرات الهيدروجين الى الزيوت النباتية.
لكن منذ اوائل التسعينات بدأ المد يتحول ضدها، فقد اظهرت الاختبارات ان الدهون المتحولة رفعت من معدلات الدهون السيئة المشبعة المنخفضة اللزوجة وخفضت من الجيدة العالية اللزوجة.
وينظر اليها اليوم كدهون سيئة فعلا، فهي الى جانب تأثيراتها على الكوليسترول، فانها تجعل الصفائح الدموية اكثر التصاقا بعضها بالبعض الآخر، اي الى زيادة خطورة تخثر الدم، وزيادة التهابات الشرايين، وتدفع الى انتاج اجزاء صغيرة جدا من الشحوم السيئة المنخفضة الكثافة التي تتلف الشرايين بشكل خاص.
وكانت الدراسات قد ربطت بين الاستهلاك العالي للدهون المتحولة وداء السكري، وفقدان الذاكرة، وتكون الحصاة الصفراوية، والامراض القلبية، وفقدان الخصوبة.
وفي عام 2006 شرعت وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية FDA بالطلب من منتجي الاغذية وضع اسم الدهون المتحولة على ملصقات المحتويات الخاصة بالغذاء. كما وضع حظر تام عليها في مدينة نيويورك وبعض الامكنة الاخرى. كذلك توقف الكثير من المطاعم عن استخدامها كلية. كما جرى تجربة العديد من الدهون والزيوت لاستخدامها مكانها. واليكم بعضها:
مزيج الزيت النخيلي : محتوى الدهون المشبعة في زيت النخيل (50 في المائة) تجعلها مفيدة لأغراض صنع المعجنات، لكن هناك بعض القلق من ان هذه الدهون المشبعة قد تؤدي الى مشاكل في القلب.
زيت بذرة النخيل : الذي يأتي من اجزاء مختلفة من النبات، يحتوي على نسبة اعلى من الدهن المشبع (81 في المائة)، رغم انه ليس جميع الدهون المشبعة ترفع من مستويات الشحوم السيئة المنخفضة الكثافة. وتقول المنظمات المحافظة على البيئة مثل "غرين بيس" وغيرها ان زراعة اشجار النخيل وتوسيعها يقضيان على الغابات المطرية ويدمرانها، في اندونيسيا مثلا.
الزيوت الكاملة الهدرجة
قد يتطلب حامض الزيتيك (الاولييك) Oleic acid الاحادي غير المشبع ، وزيت الكتان المتعدد غير المشبع معالجتهما كاملا بالهدرجة لانتاج نسخة مصنعة من الحامض الاستياري الذي له تأثير بسيط على معدلات الكوليسترول، لكن استخدام مثل هذه النسخة الصناعية المقلدة بكميات كبيرة قد تكون لها تأثيرات مسببة للالتهابات.
الدهون البينية Interesterified fats
وهي دهون تنتج ضمن عملية لانتاج جزيئة مهجنة، جزء منها غير مشبع والجزء الاخر مشبع. وقد استخدم زيت النخيل البيني هذا لتحضير المرغرين (السمن النباتي الصناعي).
واظهرت التجارب التي رعتها الصناعات المتعددة انها لا تسبب اي تلف يذكر على مستويات الكوليسترول. ومع ذلك ابدى بعض الخبراء خشيتهم عندما استشهدوا ببعض الدراسات القائلة ان للدهون والزيوت البينية بعض التأثيرات السيئة، كالزيوت المهدرجة جزئيا، رغم انها لا تنتج زيوتا او دهونا متحولة.
نصائح غذائية
كان الدكتور والتر ويليت رئيس قسم التغذية في كلية هارفارد للصحة العامة احد الذين اوصوا بالاتجاه الى تناول الدهون الصديقة. كما ساعدت ابحاثه ايضا في الكشف عن الاضرار التي تسببها الدهون المتحولة، وهنا النصائح الست التي خرج بها في هذا الصدد:
1 - التوجيهات الغذائية توصى بان يكون 30 في المائة من سعراتنا الحرارية مصدرها الدهون. والارشادات الاخيرة الصادرة عن الحكومة الاتحادية الاميركية تقول ان تناول حتى نسبة 35 في المائة امر ممكن، الا ان الدكتور ويليت يرى انه لا مانع من رفع هذه النسبة الى 40 في المائة.
2 - احصر تناولك من الدهون المشبعة الى اقل من 8 في المائة من السعرات الاجمالية التي بالنسبة الى غالبية الناس تأتي من 17 جراما من الدهون المشبعة يوميا. وقد لا يكون هذا الذي اعتدت عليه، لكنه مع ذلك يفسح المجال الى تناول قطعة من الهمبرغر بالجبنة، أي "التشيزبيرغر"، (12 جراما من الدهون المشبعة)، او صحن من الآيس كريم (البوظة). (ان مغرفة صغيرة واحدة من الدهون الكاملة الدسم تحتوي على 10 جرامات من الدهون المشبعة).
3 - التأثيرات الصحية للدهون الوحيدة غير المشبعة، والمتعددة غير المشبعة، متشابهة. بيد انه قد تكون الاخيرة افضل قليلا على الصعيد الصحي نظرا الى تأثيراتها الجيدة على تخثر الدم وعلى صعيد عدم انتظام ضربات القلب.
4 - ينبغي التزام جانب الحذر في ما يتعلق بالدهون المتحولة التي يصفها الدكتور ويليت بـ"سم التركيب الغذائي". وتسمح وكالة الاغذية والعقاقير الاميركية لمنتجي الاطعمة والاغذية بالتأشير على منتجاتهم على انها لا تحتوي على اي دهون متحولة اذا كانت تحتوي على اقل من 0.5 جرام في الوجبة الواحدة.
اكشف على مكونات الوجبة، فاذا كانت تحتوي جزئيا على زيت مهدرج، فهذا يعني انها تحتوي على دهون متحولة على الرغم مما يذكره الملصق عليها.
5 - زيوت المنتجات الاستوائية جيدة بكميات قليلة، وهي بالتأكيد افضل من الزيوت، او الدهون المتحولة. والاميركيون ينأون عنها خوفا من محتوياتها من الدهون المشبعة. لكن المدهش ان زيت جوز الهند وزيت الزيتون لهما تأثيرات متشابهة على صعيد نسبة الشحوم الضارة المنخفضة الكثافة الى نسبة الشحوم العالية الكثافة.
وفي ما يتعلق بطهو الدجاج، لا تتخلى عن جلده نظرا الى محتواه من الدهون غير المشبعة، كما يقول الدكتور ويليت، "لأن القليل من دهن الدجاح ليس بذلك الامر السيئ، اضافة الى ان طهوه مع جلده يجعل مذاقه افضل بكثير".
الدهون.. الحجم والشكل
تتألف جميع الجزيئات من مجموعة من الذرات المترابطة الواحدة بالاخرى بروابط كهربائية. والجزيئات العضوية، بما فيها الدهون، تحتوي على ذرات الكربون التي ترتبط معا في سلسلة.
وجميع الدهون في وجباتنا الغذائية تأتي على شكل شحوم ثلاثية مكونة من ثلاثة حوامض دهنية مرتبطة في نهاياتها الحمضية الى جزيئة قوية غليظة مؤلفة من ثلاث ذرات كربونية تدعى "غليسيرول". ورغم ان "الشحوم الثلاثية" هو التعبير الصحيح والدقيق الا ان خبراء التغذية يفضلون التعبير البسيط، وهو الدهون، او الدهن.
ويقوم الـ"غليسيرول" بارساء الحوامض الدهنية، لكن طولها وشكلها هما اللذان يقرران كيفية قيام الجزيئة الدهنية بالتصرف اثناء خزنها والاحتفاظ بها في المطبخ وفي اجسامنا. والحوامض الدهنية تبدو كخيوط مصنوعة من سلاسل من الذرات الكربونية معلقة على طرفها ذرات هيدروجينية. واطوالها هي نتيجة عدد الذرات الكربونية في السلسلة.
وشكل الحامض الدهني يتأثر بالاربطة الكيميائية في الخط الكربوني الضيق، وكم هو متوفر في الفسحة هناك، لكي تنضم فيها الذرات الهيدروجينية. والدهون المشبعة تكون مليئة تماما بهذه الذرات الهيدروجينية. ولكي يحصل ذلك يتوجب على الذرات الكربونية ان تتراصف في خط مستقيم تقريبا مع وجود اربطة مفردة بينها.
وتكون الدهون غير مشبعة عندما تكون ذرات الكربون في السلسلة مزدوجة بدلا من ارتباطها افراديا. والارتباط المزدوج الذي يحصل طبيعيا عادة له تأثيران: الاول انه يغير من تركيبة الدهون لكونه يوجد حيز اقل لذرة الهيدروجين بالنسبة الى ذرة الكربون التي تشترك برابطين مع ذرة الكربون المجاورة بدلا من واحدة.
ثانيا، وهو الاهم، ان الرابط المزدوج من شأنه ان يغير شكل الجزيئة عن طريق وضع فتلة (لوية) في سلسلة الكربون.
اما الدهون غير المشبعة الوحيدة فتملك زوجا من الذرات الكربونية المزدوجة الرباط، وبالتالي فتلة (لوية) حادة واحدة، في حين ان الدهون غير المشبعة المتعددة تملك زوجين او اكثر من الذرات الكربونية المزدوجة الرباط والفتلات (اللويات) المتعددة التي تحولها الى خصلة.
والموقع الذي يحدث فيه الرباط المزدوج في سلسلة الكربون هو مهم ايضا، فزيوت "اوميجا -3" الصحية الشهيرة التي توجد في السمك، وفي الاطعمة القليلة الاخرى، هي دهون متعددة غير مشبعة برباط مزدوج في طرف، او نهاية ذرة الكربون الثالثة. (اوميجا تعني في اليونانية الطرف او النهاية).
ويجري انتاج الدهون المتحولة عن طريق طهو الدهون غير المشبعة - وحتى زيت الصويا - بشكل مضغوط مع غاز الهيدروجين. ومن شأن هذا الاسلوب اضافة بعض الهيدروجين الى الدهون غير المشبعة، وهذا ما يجعلك ترى الزيت المهدرج جزئيا مدرجا بين المقومات الاساسية للغذاء.
والكميات النسبية للدهون المشبعة، وغير المشبعة، تضفي بعض الخصائص على الدهون والزيوت التي نلتهمها، فكلما كان محتوى الدهون المشبعة عاليا، كان الدهن اكثر صلابة في حرارة الغرفة العادية لكون الكربونات المرصوفة بخطوط مستقيمة تترزم مع بعضها بعضا بشكل جيد.
كذلك تحتفظ الدهون المشبعة بقوامها اطول من الدهون غير المشبعة، لان الاربطة المزدوجة في الدهون غير المشبعة تتركها عرضة الى الجزيئات التفاعلية مثل الاوكسجين الذي يقوم بتفكيك السلاسل الكربونية، وبالتالي يحولها الى مادة فاسدة تفوح الروائح منها.
والدهون المتحولة تساعد على ابقاء المنتوج صلبا، فهي مثل الدهون المشبعة سلاسلها الكربونية مستقيمة ومنظمة وثابتة ايضا.
ولهذه الاسباب (ولتخفيض الكلفة والسعر ايضا) باتت تستخدم في الاطعمة المخبوزة (لانها تبقى طازجة فترة اطول) وفي المرغرين السميك الكثافة، وفي منتجات القلي العميق.
مع تحياتى
LENA