فاروق السيد سيف king
العضو الذهــبي
مشرف المنتدى الاسلامى عدد الرسائل : 1387 العمر : 61 العمل/الترفيه : رئيس قطاع بمصانع أعلاف بشركة خاصة تاريخ التسجيل : 01/09/2011
| موضوع: الابتلاء سنَّةُ الله في خلقه الإثنين 01 ديسمبر 2014, 2:33 am | |
|
في سورة الأحزاب بضع آيات أشارت إلى غزوة الخندق فقد قال الله تعالى في الآية التاسعة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾ [ سورة الأحزاب ] أيُّها الإخوة، بادئ ذي بدء، سُئِل الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
﴿ أندعو الله بالابتلاء أم بالتمكين ؟ أي ليبتلينا أم ليمكِّننا، فقال رحمه الله: لن تُمكَّن قبل أن تُبتلى، قال تعالى:أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ(2)﴾ [ سورة العنكبوت ] وهل في الأرض جامعة واحدة ليس فيها امتحان ؟ مستحيل، مئات الملايين أُنفقَت من أجل الدوام فقط بغير امتحان، ثم تُعطَى الشهادات هذا مستحيل. أيها الإخوة، بادئ ذي بدء يجب أن نعلم أنَّ الابتلاء سنَّةُ الله في خلقه لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ(30)﴾ [ سورة المؤمنون ] قال تعالى:
﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ(2)﴾ [ سورة الملك ] قال تعالى:
﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ(142)﴾ [ سورة آل عمران ] آيات كثيرة تبين أنه لا بدَّ من الابتلاء، والابتلاء معناه الامتحان ؛ وقد ينجح المؤمن في الامتحان , من خلال هذا الامتحان ينال الشهادة العليا ولمْ ينجُ من الابتلاء حتَّى أصحابُ النبي الكريم الذين آمنوا به وصدَّقوه وبذلوا من أجله أرواحَهم و دماءَهم وأنفسَهم و أموالَهم ؛ ومع ذلك اُبتُلِيَ المؤمنون وزُلزِلُوا زلزالاً شديدًا، قال تعالى:
﴿إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10)﴾ [ سورة الأحزاب ] فأمَّا الذين في قلوبهم مرض فقال الله في حقِّهم:
﴿وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً (12)﴾ [ سورة الأحزاب ] نُقِل في السيرة أنَّ أحدهم قال: أيَعِدُنا صاحبُكم أن تُفتَح علينا بلادُ قيصر و كسرى وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته! وما قال: النبي قال: صاحبكم، لأنه أنكر عليه النبوَّة والرسالة، ورأى أنَّ هذه الدعوة لا أصل لها، لأنَّه اجتمع في تاريخ الجزيرة العربية عشرةُ آلاف مقاتل جاءوا ليُبيدوا المسلمين، والإسلام وقتها كان قضيةَ ساعات وينتهي إلى الأبد، واليهود نقضوا عهدهم كعادتهم مع المسلمين فانكشف ظهر المسلمين و جاءت العرب كلُّها لتستأصل شأفة النبي عليه الصلاة والسلام و أصحابه الكرام، قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾ [ سورة الأحزاب ] ﴿وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً (13) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآَتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً (14) وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لَا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْئُولاً (15)﴾ [ سورة الأحزاب ] فالله عز وجل فرز المؤمنين و محصهم، قال تعالى:
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ(179)﴾ [ سورة آل عمران ] إن شئتَ قل: أنا مؤمن، أنا أحب الله ورسوله ولكنَّ الله متكفِّل بأن يضعك في ظرف يكشف فيه حقيقَتك، والله عز وجل متكفِّل بأن يضعك في حجمك الحقيقي، و كيف ذلك ؟ قد تحيط بك مشكلة فإن رسَبتَ فقد حُجِّمتَ و إن نجحتَ فقد نجحتَ، إذًا النبي عليه الصلاة والسلام و أصحابه الكرام ما نجَوْا من الابتلاء، وكانت معركة الخندق من أشدِّ أنواع الابتلاء.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً (9) إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا (10) هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً (11)﴾ [ سورة الأحزاب ] بردٌ لا يُحتمَل و جوع لا يُحتمل و عدوٌّ جاء ليستأصل شأفةَ المسلمين وجِوارٌ نقضوا العهدَ وكشف الظهر ولم يبق أمام المسلمين إلاَّ أن يستسلموا لقضاء الله وقدره وللفناء والإبادة، ولكنَّ الله سبحانه وتعالى جلَّت عظمتُه في الوقت المناسب أرسل عليهم رياحاً عاتيةً قلعتْ خِيامهم أطفأت نيرانهم و قلبت قدورهم، وهذه المعركة الطاحنة التي كان من الممكن أن تقضي على المسلمين جعل الله النصرَ المُؤزَّر على يد إنسان واحد هو نُعَيْمُ بنُ مسعود، أسلم في الوقت المناسب و كان حديث عهد بالإسلام وقال: يا رسول الله مُرْنِي ماذا أصنع، فقال عليه الصلاة والسلام: " أنت رجلٌ واحد، خبِّرْ عنَّا ما شِئتَ، فذهب هذا الصحابي الذي أسلم لتَوِّهِ، ولم يُعرَف أنَّه قد أسلم ذهب إلى قريش وقال: هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهدهم مع رسول الله ندموا على ما فعلوا وخافوا إن أنتم رجعتم إلى بلدكم أن يتحكَّم فيهم النبيُّ و أن يستأصلهم، فاتفقوا معه على أن يأخذوا منكم رهائن ليقتلوهم إرضاءً لرسول الله، وذهب إلى اليهود وقال لهم: إنَّ قريشا سترحل إلى بلادها و يَدَعُوكم مع محمد، فلا بدَّ من أن تمتنعوا أن تعطوهم إذا طلبوا منكم الرهائن، فدبَّ الخلاف بين الأطراف المتنازعة، ثم أرسل الله الرياح العاتية فقلبت القدور و قلعت الخيام وأطفأت النيران و كفى الله المؤمنين القتال، قال تعالى:
﴿وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْراً وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيّاً عَزِيزاً (25)﴾ [سورة الأحزاب]
فالله عز وجل يُجرِي خيرًا كبيرًا على يد إنسان واحد، فلمَّا أرسلت قريش إلى اليهود تطلب منهم الرهائن صدَّقوا ما قال لهم نُعَيْم وامتنعوا ودبَّ بينهم الخلاف وشُقَّت الصفوف و أرسل الله الرياح فولَّوا الأدبار وكفى الله المؤمنين القتال، ونحن في العيد نقول: الله أكبر صدق وعده وأعزَّ جنده و هزم الأحزاب وحده، لاشيءَ قبله ولاشيءَ بعده. هذا الدرس أيها الإخوة، والقصة وقعت، وماذا يُجدي أن نقرأها في كتاب الله، لأن كلَّ قصة وقعت يمكن أن تقع مرة ثانية، وإن لم يكن هناك ابتلاءٌ جماعيٌّ فهناك ابتلاءٌ فرديٌّ، والمؤمن الصادق يُوطِّن نفسه على أنَّ الله سوف يبتليه و سوف يمتحنه، فإذا كان مستعدًّا لهذا الامتحان، وقال: يا ربِّ لك الحمد أنا راضٍ بقضائك، معنى ذلك أنَّه نجح في الامتحان، حدَّثني طبيب أنَّه كان عنده مريض مُصاب بالسرطان في الأحشاء، قال لي أنّه كلما دخل عليه صديق يعوده يقول له: بادئ ذي بدء اِشهَد أنِّي راضٍ عن الله، واللهِ الذي لا إله إلا هو لو عاش مائة عام في صحَّة طيِّبة لا يرقى عند الله كما لو أنَّه قال هذه الكلمات، أنت هل تعلم عندما تقول: يا ربِّ عنك الحمد أنَّك ترقى عند الله، فإذا ساق الله عز وجل للإنسان شِدَّة أو مصيبة أو مرضا أو فقرا وقال يا ربِّ لك الحمد أنا راضٍ بقضائك و قدرك، هذا ارتقى عند الله إلى أعلى المراتب، وسيِّدُنا عليٌّ يقول: الرِضا بالمكروه أعلى درجات اليقين "فالمؤمن مستسلم لقضاء الله وقدره، وطبعًا لا يكون سلبيًا وقد ورد في الحديث الشريف: (( إنَّ الله يلوم على العجز ولكن عليكم بالكيس فإذا غلبكم أمرٌ فقولوا حسبنا الله ونِعْم الوكيل))
و عليك أن تسعى و أن تفكِّر و أن تتَّصل وأن تُوصِل أن تطلب وأن تنتقد و أن تشتكي، فإذا استنفذتَ كلَّ الوسائل وغلبك الأمرُ عندئذٍ قل: حسبيَ الله و نِعْم الوكيل، فالمسلم الصادق بين أن يصبر على قضاء الله و قدره وبين أن يشكر نعمة الله عليه، ففي البلاء صبور و في الرَّخاء شكور، قانعا بالذي له و لا يبتغي ما ليس له. أيُّها الإخوة الكرام، عودٌ على بدءٍ، سيِّدُنا الشافعي حين قال: لن تُمكَّن حتَّى تُبتَلى، ومعنى ذلك أنَّك في دور الامتحان، و كلُّ واحدٍ منَّا ممتَحَن، فتُمتحَن فيما أعطاك الله و فيما حرَمَك الله، واحد ما سمح له الله أن ينجِب، فعدم إنجابه للأولاد مادةُ امتحانه مع الله، و الواحد الله عز وجل أعطاه الأولاد، و هؤلاء الأولاد هم مادة امتحانه مع الله والغنَى مادة امتحان مع الله و الفقر مادة امتحان مع الله و القوَّة مادة امتحان مع الله و الضعف مادة امتحان مع الله و الصِّحة مادة امتحان مع الله و المرض مادة الامتحان مع الله، فيجب أن تعلم أنَّ كلَّ شيء نِلْتَه مع الله هو مادة امتحانك معه، وكلُّ شيء حُرِمتَ منه هو مادة امتحانك مع الله، هذه موادٌ خاصَّة، وهناك مواد عامَّة، المرأة في الطريق مادَّة امتحانٌ عامة لكلِّ الناس، والمال المُغرِي مادة امتحان عامة، فهناك مواد خاصة وهناك مواد عامة، فالمواد الخاصة حظوظك من الدنيا مواد امتحانك مع الله، وما حُرِمتَ منه في الدنيا مواد امتحانك مع الله. الآن، الإنسان الغني، الغِنَى مادة امتحانه مع الله، فإذا شكر وتواضع و أنفق من هذا المال نجح، فجاء في الآخرة دخل الجنة، فاتصلتْ نِعَمُ الدنيا بنِعَم الآخرة، ولو استكبر بالمال وأمسكه وأنفقه على شهواته و حرَم منه الفقراء رسَب وخسر، وسيُعاني من العذاب الأليم إلى أبد الآبدين، ويأتي فقيرٌ ذو دخلٍ محدود، فقرُه مادة امتحانه مع الله و لكن هناك فقر الكسل و هناك فقر القدر و أنا أعني فقر القدر، فإذا كان الإنسان كسولاً لا يحبُّ العمل يفتقر، لكن هذا فقر الكسل، لا فقر القدر، والإنسان أحيانا يبذل كلَّ طاقته و بكلِّ ذكاء و لكنَّ الله تعالى لحكمة بالغةٍ شاء له أن يبقى فقيرا، هذا فقر القدر، فالفقر الذي هو مادة امتحان مع الله هو فقر القدر لا فقر الكسل الذي هو جزاء التقصير، لو أن الفقير و كان فقره مادة امتحانه مع الله صَبرَ وتجمَّل وتعفَّف و شكر الله على أن قدَّر له هذا الفقر، ينجح، فإذا مات فإلى الجنّة إلى الأبد، وقِسْ على هذا القوَّة والضعف والغنى والفقر و الذكاء وكلُّ الحظوظ تأتي على هذا المقياس، فمادة امتحانك مع الله حظوظك من الدنيا، ومادة امتحانك مع الله ما حُرِمتَ منه في الدنيا. اللهمَّ ما رزقتَني ممَّا أُحبُّ فاجعله عونا لي فيما تحبُّ وما زوَيْتَ عنِّي ما أحبُّ فاجعله فراغًا لي فيما تحب فأنت بين شيئين، شيء تمنَّيتَه ونِلتَه و شيء تمنَّيتَه وحُرِمتَ منه فيدعو النبي الكريم، ويقول: هذا الذي تمنَّيته وأعطيتني إيَّاه اِجعلْه في الحق و في طاعتك و في سبيلك والدليل قوله تعالى: ﴿وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)﴾ [ سورة القصص ]
الذي حُرِمتَ منه تتقرَّب به، أنا أعرف رجلاً قضى كل َّحياته مريضا فقال لي يوما: قد ضاقت نفسي، و ما ارتحتُ يومًا ثمَّ قال: وقع في قلبي أنَّه لولا هذا المرض ما كنتُ في هذه الحال، حال القرب والشَّدائد سبب قربه من الله وسبب توبته و إقباله، ولكنْ يوم القيامة الذي أعلمُه أنَّ الله يكشف لكلِّ إنسان كلَّ شيء ساقه له، فلذلك الإنسان يوم القيامة يذوب كالشمعة المشتعلة حُبًّا بالله على كلِّ ما ساقه له، وهذا كلامٌ دقيق جدًّا، هل هناك واحد منَّا ليس له قدَر !! هذا القدر الذي ساقه الله له لو كُشِف غِطاءُه لَذاب الإنسان حبًّا بالله عز وجل. مُلخَّص الدرس، نحن مُمتحنون فيما أُعطينا و فيما حُرِمنا، ممتحنون امتحانا عامًّا في الطريق، فهنيئًا لِمَن نجح في الامتحان، وقد ينجح الفقيرُ في امتحان الفقر و يرسب الغنيُّ في امتحان الغِنَى فتنعكس الآية قال تعالى: ﴿إِذَا وَقَعَتْ الْوَاقِعَةُ(1)لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ(2)خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ(3)﴾ [سورة الواقعة] فصار الفقير أغنى الأغنياء إلى الأبد و الغنيُّ أفقر الفقراء إلى الأبد وأحيانا يُمتَحن القويُّ بقوَّته فيستخدمها في الباطل و يُمتحَن الضعيف بضعفه فيرضى بقضاء الله و قدره، فيصبح الفقير عند الله في مقعد صِدق إلى أبد الآبدين ويصبح القوي في أسفل النار إلى أبد الآبدين لذلك سيِّدنا عليٌّ قال كلمةً رائعةً جدًّا، قال: " الغِنَى والفقرُ بعد العرض على الله، فلا يُسمَّى الغنيُّ غنيًّا في الدنيا و لا الفقيرُ فقيرًا، فقد تجد الفقيرَ أغنى الأغنياء يوم القيامة، و قد تجد الغنيَ أفقرَ الفقراء. فأيُّها الإخوة الكرام، نحن ممتحنون فيما أُعطينا وفيما حُرِمنا، و الذي حُرِم فليصبرْ وليحتسبْ و ليقلْ حسبيَ الله ونِعم الوكيل، و إذا نجح لِيَشكر اللهَ عز وجل.
الموضوع الأصلي : الابتلاء سنَّةُ الله في خلقه المصدر : منتدى كل العرب
|
|